إنه يعيد المادة إلى معناها اللغوي المادي، وفي مصنف آخر [٣٤] يقفنا على مراحل الكلام بدقة الخبير:
"إعلم أن المعنى إذا كان في النفس فعلْم، وإذا انتهى إلى الفكر فروية، وإذا جرى به اللسان فكلام، وإذا كتب باليد فكتابة، فهو بالذات شيء، وتختلف عليه الأسامي بحسب اختلاف الأحوال به، وذلك كما أن القطن مادام بحالته قطن، فإذا غزل فهو غزل، فإذا نسج فثوب، فإذا خيط فقميص أو جُبّة"
إنه يبين لنا (حدود) هذه الكلمات التي عندما تنتهي تبدأ حدود كلمة أخرى. وقد سوغ هذا التقسيم بأن الأسماء تختلف باختلاف الأحوال، ووضحه بمثال القطن الذي يشبه حالات المادة الواحدة الثلاث بين الصلابة والسيولة والغازية.
وفي أثر ثالث للراغب نجد الكثير مما يدل على تسخير اللغة لفهم المتشابه من آي القرآن الكريم وما بينها من الفروق الدقيقة التي تغمض لدى الكثيرين، ونعني مخطوطة (درة التأويل في متشابه التنزيل) التي يتحدث عنها في جهود الراغب في التفسير.
قضايا لغوية:
ويمكن للباحث أن يستخرج رأي الراغب في مجموعة من القضايا اللغوية التي تهم الباحثين اليوم.
الترادف:
لقد أكثر الراغب من حشد أسر الألفاظ اللغوية من أفعال وأسماء وتراكيب، كما رأينا في محاضرات الأدباء ومجمع البلاغة، بدوافع تعليمية كانت تحفزه إلى جمعها بعضها إلى جانب بعض ليفيد منها المتعلمون من أبناء عصره. وكان يجمع في الأسرة الواحدة المفردات التي تتقارب معانيها وتتباين موادها اللغوية. وهذا يحملنا على التساؤل عن موقف هذا اللغوي من الترادف في اللغة هل كان ممن يراه ويثبته أم من الذين يرون فيه رأيا آخر؟