يريد أن كلمة (فارض) بمعنى المسنة من البقر معنى ظهر في اللغة بمجيء الإسلام، فهي لم تعرف هذا المعنى من قبل، وقد عرفت بدلالتها المادية في فرض الأرض أي قطعها وتشقيقها في الحراثة أو بما يماثله من الأعمال الزراعية الشاقة.
وبهذا يدل الراغب على تنبهه لمعاني المفردات في المعنى المادي وفي المعنى الاصطلاحي المعنوي الذي يواكب التطور الحضاري. وهو سبق أرَى أنه يدل على عقلية متفتحة وسبر للغة العربية نادريَن، فكثيراً ما شغل الباحثون في عصورنا الحاضرة عن الألفاظ الإسلامية التي أضفاها الإسلام على العربية [٣٢] .
سادساً- الراغب والمعاجم اللغوية - رأينا أن مفردات الراغب في ألفاظ القرآن معجم خاص بكل ما في المعاجم من شمول وترتيب وخبرة لغوية دقيقة. ولذا فإننا لا نستغرب إذا وجدنا أنه ما من مفسر لكتاب الله العزيز أو متفرغ لمعاجم اللغة يأتي بعد عصر الراغب، الذي رجحنا أنه عاش إلى أوائل المائة الخامسة للهجرة، إلا يحتاج من هذا المعجم الفريد، بصريح الإشارة إلى المصنف أو صاحبه أو دونما إشارة.
أما القول بأن معجم (أساس البلاغة) الذي صنعه جار الله بن محمود الزمخشري (٥٣٨) في اللغة، وإنه مقتفٍ لأثر الراغب في ترتيب مواده اللغوية فهو قول قد يصح ويجوز، وقد يدفعه رأي آخر بأنه تطور طبيعي بدأه ابن دريد الأزدي وسار الآخرون على سنته.
أما في سائر مصنفاته فإننا نجد الخبرة اللغوية أيضا تتضح في تناول الراغب كثيراً من مفردات اللغة بالشرح والتوضيح بين المعاني المتقاربة للألفاظ المتباعدة.
فلننظر في تناوله لكلمة (الإبداع) في أحد هذه المصنفات [٣٣] : "فالإبداع هو إيجاد الشيء دفعة لا عن موجود ولا ترتيب ولا عن نقص إلى كمال، وليس ذلك إلا للباري تعالى، وإن كانت العرب تستعمل الإبداع فيمن يحفر بئراً في مكان لم يحفر فيه قبل".