للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى أساس ذلك التعليل المهزوز يعرض لكلمة أمير المؤمنين علي- رضي الله عنه- "القرآن حمال أوجه"ليؤكد بمنطقه المقلوب أن هذا القول من أمير المؤمنين اعتراف قاطع بأن لا سبيل إلى الإجماع على تفسير موحد للقرآن، وإذا كان هذا رأي ذلك الصحابي الجليل، وهو من هو علما وفقها وسعة آفاق وقربا من ظلال النبوة، فلا أمل إذن بالاتفاق على وحدة الاتجاه في فهم كتاب الله..

وأنا لا أستطيع القول بعجز الكاتب عن الإحاطة بمدلول هذه العبارة لو كلف نفسه النظر في موردها، والظروف التي قارنتها. والذي أذكر من ذلك أن عليا قد وجه هذه الكلمة إلى عبد الله بن عباس حين هم بإرساله لمحاورة الخارجين عليه، فنبهه إلى أنهم قوم محدودو المدارك يشتبه عليهم مفهوم الآي، فيدخلون في جدال لا محصول له، وإنما عليه أن يكيف أسلوبه معهم وفق مستواهم عملا بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله ... " [٢] .

ومعلوم أن الشرارة الأولى في خروج هؤلاء على عَلِيّ كانت إنكارهم قبوله التحكيم في موضع الخلاف بينه وبين معاوية، أخذا منهم بظاهر قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّه} ومن ثَمّ رفعوا شعارهم القائل: "لا حكم إلا لله".. واعتبروا كل خارج عليه من الكافرين. ومن أجل ذلك كان توجيه علي لابن عمه أن يأخذهم بمنطق السنة المفصلة لمجمل القرآن، لعلمه أن حجتهم الوحيدة في رفض التحكيم هي تقيُّدهم بحرفية النص، وعجزهم عن الإحاطة بمضمونه الفقهي العام..