على أن هذه النظرة المادية لا تنطبق على واقعنا وواقع المجتمعات الأخرى حتى الشيوعية نفسها، فهنالك في كل مجتمع فئات معطلة عن الإنتاج المادي للتفرغ لأمور هامة خطرة، فالجيوش والموظفون لا يزيدون في ثروة الأمة المادية، وقد رضيت كل الأمم أن يتفرغ الجيش لحماية البلاد، والموظفون لإدارة الشؤون دون أن تلزمهم الكسب، فهل يقال: إن هذا تعطيل للثروة القومية في البلاد؟
إن خوض الأمة معارك الدفاع عن حياتها وانتزاع حقها واستقلالها من أيدي الغاصبين ترحب به كل أمة، بل لا تستطيع أي أمة أن تفعل غيره، فكم تلحق الأمة من خسائر بشرية ومادية في سبيل الدفاع المشروع وهل يجرؤ أحد أن يدعو الأمة إلى تسريح جيشها، وعدم شراء الأسلحة والذخائر وصنعها وعدم مقاومة المغيرين بحجة أن في ذلك كله خسارة مادية وإضرار بالإنتاج القومي والثروة العامة.
لاشك بأن هؤلاء المنادين باشتغال المرأة خارج بيتها لا يوافقون على حرمان الأمة من جهود أفراد الجيش والموظفين من الناحية الاقتصادية في سبيل مصلحة أغلى وأثمن من المنفعة الاقتصادية، إذا كان ذلك كذلك فهل يكون التفرغ لشؤون الأسرة أقل فائدة من تفرغ الجيش لحماية البلاد!؟، أم يريدون أن ترهق المرأة بالعملين معا، ثم أي عاقل يعرف خطورة رسالة المرأة في البيت يعتبر تفرغها لأداء هذا الواجب سجنا، فلم لا نقول: إن الموظف في ديوانه والزارع في مزرعته بأنه في سجن، ثم أي معنى لقول من يقول: إن وجود المرأة في البيت يعودها الكسل، إن أمثال هؤلاء لا يعرفون متاعب البيت وأعماله، وكيف تشكو المرأة من عنائه، فما يمسي المساء إلا وهي منهوكة القوى هذا إذا قامت بواجبها كما يجب.