للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الفرق الضالة كذلك الجَبْرِيًة الذين زعموا أن فاعل جميع الأفعال هو الله تعالى، ونفوا أن العبد يفعل شيئا، ونتج عن اتجاههم هذا: القولُ بأن العبد مجبور على فعله لأنه بإتيانه ما يفعل ليس إلا كريشة في مهب الرياح تتقاذفها تارة يمنةً وتارة يسرةً، ومن ثم فلا مشيئة له ولا إرادة، وهو في أفعاله مسير تسييرا كاملا لا اختيار له في أي عمل.

وهؤلاء كذبوا الله تعالى فيما أثبته للعبد من مشيئة في مثل قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف آية ٢٩) ، وافتروا عليه الكذب سبحانه في أنه يجبر العبد على مالا يريد فعله ومالا يقدم عليه بمحض اختياره. وبهذا الاتجاه الضال انتشرت بين الناس مقالة أن العبد مُسَيرٌ لا مخير. وهذا زعم كاذب، وخبْط في التيه، بلا برهان من الله.

ومثل هاتين الفرقتين القدرية والجبرية قد فرطت أولاهما فنفت ما أثبته الله لنفسه سبحانه من صفات وأفرطت الثانية فأثبتت للعبد ما لم يثبته له الله، وكلا الفرقتين مكذب لله تعالى فيما أخبر من إثبات مشيئة له سبحانه وإثبات مشيئة للعبد في مثل قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (الإنسان الآية ٣٠) وفيما أخبر من خلقه للعبد ولعمله في مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (الصافات الآية ٩٦) .

ومن ثم فالعبد له مشيئة، وهو مخير تمام التخيير في جميع التكليفات، وتتميز بأنها تتم بعمله واختياره، كالصلاة والصيام والزكاة وسائر التكاليف، وهو مُسَير تسييرا كاملا فيما وراء التكاليف كالرزق، والأجل، وإنجاب الأولاد أو العقم وما ماثل ذلك، وتتميز هذه الأمور بأنه لا يد له فيها البتة. وهذا ما توسط به أهل السنة والجماعة.

وتحقيق هذه المسألة يرجع إليها في مظانها لأن المقام يضيق هنا عن تفصيلها, فأحيل القارئ الكريم على تلك المظان من كتب العقيدة.