فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} (الأحزاب آية ٦٧) . وقوله تعالى:{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}(الحشر آية ١٦) . إلى غير ذلك من كثير الآيات التي يفهم منها أن فجور العبد وضلاله إنما هو بكامل اختياره ومشيئته دون تدخل لأي إرادة أو مشيئة أخرى سواه. في حين أن قوله تعالى:{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} يفهم منه أن الله هو الذي يضع الفجور أو التقوى بالإلهام في قلب عبده.
وخلص هؤلاء إلى أن هناك تعارضا بين نوعي الآيات، وأخذوا يؤولون ويخبطون، ونشأت اتجاهات شاذة حملتها الفرق الضالة كالقَدرية الذين نفوا قدرة الله القدير سبحانه فزعموا أن العبد هو الذي يخلق عمله استقلالا، ولهذا سّموا (مجوس هذه الأمة) ، وذلك لمشابهتهم المجوس في قولهم بالأصلين: النور والظلمة؛ ويعنون بذلك أن هناك إلهين: إله النور ويصدر عنه كل خير، وإله الظلمة ويصدر عنه كل شر. كذلك القدرية يقولون إن الله خالق العباد، وأن العباد خالقين لأفعالهم. وبهذا كان عند القدرية- كما يعتقد المجوس- خالقان.
ومن ثم عطلوا صفة (القدرة) التي يتصف بها الله جل وعلا، وكذبوه فيما سمى به نفسه سبحانه من اسم (القادر، والقدير) كما عطلوا صفة المشيئة أو الإرادة التي وصف بها نفسه تبارك وتعالى، في مثل قوله تعالى:{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}(الكهف آية ٣٣، ٣٤) . وقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}(الحج آية ١٤) .