ومن هنا ندرك أن هذه الأسس التي كانوا يستندون عليها كانت أسساً واهية، خاصة وأنهالم تكن مدَونة ولا خاضعة لمنهج. وبالتالي لم تكن لتلك الأحكام التي تقوم على تلك الأسس الضعيفة احترام أو التزام من جانب كثير من الأفراد, فهم يقبلونها متى ما أرادوا, لا توجد قوة معنوية أو حسية تلزمهم بالامتثال. ومهما قيل من أن بعض مدن الحجاز كانت قبل الإسلام قد وصلت إلى قدر من التطور في نظام الحكم فإن ذلك لا يرقى إلى أن يقال إن الأحكام التي كانت تُتّبع كانت قد ارتقت إلى درجة اعتبارها مستقاة من مصادر عامة وثابتة، أو أن تلك الأحكام كانت لها أسس وقواعد ترتكز عليها في استنانها.
أما النظم والأحكام التي كان يطبقها اليهود الذين نزحوا وأقاموا بالمدينة قبل الإسلام فإنها لم تكن معتمدة على التوراة المنزل على موسى عليه السلام بل كانت من نتاج أفكار أحبارهم بما يتفق مع مطامعهم وأغراضهم. وكما هو معلوم فإن تحريفهم وتبديلهم للدين اليهودي، أصوله وفروعه، كان واضحاً قبيل الإسلام فقد مسخوا الأحكام التي نزلت على موسى مسخا ومنذ زمان بعيد.