هذه النظم المذكورة آنفا والتي وجدها الإسلام في مكة والمدينة أبطلها الإسلام ليحل محلها ما جاء به القرآن ووردت به السنة من مبادئ وأسس وأصول وفروع, وأصبحت الحياة الاجتماعية كلها خاضعة لهذه المبادئ الإسلامية الجديدة. وما ظهر من أن الإسلام أبقى بعض الأحكام التي كانت مطبقة في الجاهلية أو كان يمارسها اليهود فإن ذلك الإبقاء كان لما أتفق مع مبادئ الإسلام وليس أخذاً من مصدر آخر سابق للقرآن والسنة، وما اتفق مع ما كان لدى اليهود ليس أخذا من مصادرهم ولكن اعتمادا على الوحي الذي يتنزل بالصحيح من المبادئ والأحكام التي نزلت على الرسل السابقين ولا عبرة بما لم يتنزل به القرآن فالذي صح من الديانات السماوية السابقة هو ما تنزل به القرآن وبينته السنة [١] نعم إن الله تعالى شرع لنا من الدين ما شرعه على النبيين السابقين {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}(الشورى الآية ١٣) .
ولكن ما شرع للأنبياء السابقين لا يكون شرعا لنا إلاّ إذا جاء به القرآن أو وردت به السنة.
والقسامة [٢] التي كان معمولا بها في الجاهلية فعمل بها جمهور الفقهاء في الإسلام استنادا على حديث متفق عليه مختلف في ألفاظه ولم يعمل به آخرون من العلماء لمخالفتها لمبادئ الشرع الأخرى مثل أن يكون المُقْسم مقسما على ما علم قطعا، هذه القسامة حتما قول من أخذ بها من الفقهاء في الإسلام فليس معنى ذلك أننا استقينا الحكم من أصل جاهلي ولكن استقيناه من أصل السنة النبوية لأن في العمل بها الاحتياط للدماء، لأن القاتل يحاول دائما أن يرتكب جرمه بعيدا عن أعين الناس, فكان فيها استثناء من قواعد الشرع لحفظ النفوس الذي هو من مقاصد الشريعة وأهدافها.