أما استخدام العقل لاستخراج الأحكام الشرعية عن طريق القياس في الشريعة فلا يشبه استخدام العقل الذي عمل به في الجاهلية لنفس الغرض. ففي الجاهلية استخدم العقل من غير ضوابط غير استحسان شيخ القبيلة أو من يوكل إليه أمر الفصل في نزاع. أما في الإسلام فالعقل البشري مقيّد ومضبوط بضوابط الشرع وحدود المصلحة الإسلامية.
والعرف الذي عمل به الجاهليون فقد ألغاه الإسلام إلاّ ما اتفق مع مبادئه- وبذلك نصل إلى أن ما سبق الإسلام من نظم لم يكن رافدا من روافد أصول الفقه في الإسلام. والذي دفعنا إلى الحديث في هذا الأمر ما يثيره بعض المغرضين من أن التشريع الإسلامي أخذ من بعض النظم السابقة له. وكذلك دفعنا للتعرض لهذا الموضوع ما أثاره الأصوليون أنفسهم من نقاش حول ما إذا كان شرع من قبلنا هو شرع لنا.
إرساء القرآن لأسس الفقه:
لقد أرسى القرآن الكريم أسس الفقه في الفترتين ما قبل الهجرة وما بعدها. ومع ما يلاحظ من أن فترة ما قبل الهجرة كان القرآن يركز فيها على تأكيد العقيدة وتمكينها بالدعوة إلى الإيمان بالله وحده واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيِّين، والابتعاد عن الإشراك بالله، والتذكير بنعيم الآخرة وعذابها، والدعوة إلى مكارم الأخلاق والابتعاد عن مساوئها [٣] مع التركيز على أصول الدين والعقيدة فإن الآيات المكية قد اشتملت على بعض آيات الأحكام الشرعية العملية مثل آيات تشريع الصلاة والزكاة إجمالا.
أما السور والآيات المدنية والتي ركزت على إرساء التشريع والأحكام الفقهية العملية، فإننا نجدها تشتمل على الكثير من الآيات التي تثبت العقيدة وأركانها وتنفر من الكفر ومغباته وعواقبه، وتحكى القصص للاعتبار, فهي لم تقتصر على آيات الأحكام بل فاضت بآيات العقيدة وأصول الدين [٤] .