آل أمر جيوش الشام إلى قيادة أبي عبيدة، فأخبر أبو عبيدة خالدا بما أحدث أمير المؤمنين بعد انتهاء خالد من فتح دمشق، فقال خالد: يرحمك الله! ما منعك أن تعلمني حين جاءك؟ فقال أبو عبيدة: كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا أريد، ولا للدنيا أعمل، وما ترى سيصير إلى زوال وانقطاع، وإنما نحن أخوان وما يضر الرجل أن يليه أخوة في دينه ودنياه [١] .
عزم أبو عبيدة –رضي الله عنه- على مواصلة الزحف على بلاد الروم، ولكنه تردد، ولم يدر بماذا يبدأ؟ أيتوجه إلى دمشق؟ وحينئذ يكون قد ترك خلفه بفحل جيشا لجبا للروم يقدر بثمانين ألف مقاتل لا يأمن أن يبغته من ورائه.
أم يتوجه إلى فحل، فهو يخشى أن يتجمع الروم بدمشق، ويقوي أمرهم، ولا يستطيع المسلمون فتحها إلا بجهد ومشقة وشدة، وحينئذ قطع هذا التردد، وأرسل إلى الخليفة يستشيره بأيهما يبدأ.
ورد عليه الخليفة قائلا: أما بعد، فابدؤوا بدمشق، فانهدوا لها، فإنها حصن الشام وبيت مملكتهم، واشغلوا عنكم أهل فحل بخيل تمون بازائهم في نحورهم، وأهل فلسطين وأهل حمص، فإن فتحها الله قبل دمشق فذاك الذي نحب، وإن تأخر فتحها حتى يفتح الله دمشق فلينزل في دمشق من يمسك بها ودعوها، وانطلق أنت وسائر الأمراء حتى تغيروا على فحل، فإن فتح الله عليكم فانصرف أنت وخالد إلى حمص، ودع شرحبيل وعمرا وأخلهما بالأردن وفلسطين [٢] .
فتح دمشق:
بهذا الرد أنهى الخليفة تردد القائد، وأمن مخاوفه، حيث أمره يبدأ بدمشق لأنها عاصمة البلاد، وسقوط العاصمة يؤدي دائما إلى ضعف المقاومة في الأطراف وكثيرا ما تكون المقاومة بعد سقوط العاصمة من أجل الحصول على الأمان، أما استرداد العاصمة، أو إعادة مكانتها إليها فقلما يخطر ذلك على بال المقاومين، وإن حصل ذلك أحيانا فإنما يكون رمية من رام لظروف طرأت فغيرت مجرى الأوضاع.