نزل أبو عبيدة على باب الجابية، ونزل عمرو بن العاص على باب توماء، ونزل شرحبيل بن حسنة على باب الفراديس، ونزل يزيد بن أبي سفيان على باب كيسان، ونزل خالد بن الوليد على بابها الشرقي [٣] .
وعلم المسلمون أن الحصار سيطول، وبخاصة أن زمن الشتاء قد اقترب والبرد هناك يمزق الجلود، ويقطع الأوصال، وكان جيش الروم المحاصر في داخل العاصمة يعتمد على بردها القارص، وطقسها الذي لا يتحمله سكان جزيرة العرب الشديدة الحرارة، ولهذا ظل جيش دمشق معتصما بها رغم خيبة أمله في وصول إمدادات هرقل إليه، إن قادة الجيش وإن خاب أملهم في هرقل فلن يخيب في برد الشتاء ورده لهؤلاء الأعداء، فكم حاصر المدينة معتدون وكان الشتاء وحده كفيلا بطردهم وردهم على أعقابهم.
استعد المسلمون لذلك كله فنصبوا المناجيق، وأعدوا الدبابات، فأما طول الحصار فلهم في بساتين الغوطة وأنهارها ما يكفل لهم حياة رغدة هنيئة، وأما شدة البرد فقد هيئوا أنفسهم بالصبر وقوة التحمل، وأما مناعة العاصمة فإن تشديد الحصار وتضييق الخنادق جديران بتحطيم معنويات المتحصنين بها، ولهم بعد ذلك وفوق ذلك كله تأييد الله –عز وجل- ونصره فما لهم لا يصبرون؟
بدأ المسلمون يهاجمون دمشق، ويضربونها بالمناجيق، ويقتربون من أسوارها بالدبابات، ولكن ذلك لم يغن شيئا، واستطاع جيش الروم أن يصبر لذلك ويرد هجمات المسلمين، ولكنه يخش الخروج إليهم، فلا تزال النهاية المؤلمة في معركة اليرموك عالقة بأذهانهم، وطال الحصار فعلا حتى بلغ ستة أشهر عند بعض المؤرخين، وانتهى فصل الشتاء، وخاب الأمل الوحيد الذي كانوا لا يشكون في عونه لهم، ووقوفه إلى جوارهم.
وبدأ أهل دمشق يطلبون الصلح على لسان أسقف منهم [٤] ، وأجابهم المسلمون على أن يكون للمسلمين نصف ما بأيدي الروم من الأموال والأملاك، ولكن الروم ترددوا وأبوا [٥] .