ويقول البلاذري:"إن رجلا منهم أتى خالدا، وأخبره أن هناك هذه الليلة ليلة عيد لأهل المدينة، وأنهم في شغل، وأن الباب الشرقي قد ردم بالحجارة وترك وأشار عليه بأن يلتمس سلما، فأتاه قوم من أهل الدير الذي عند عسكره بسلمين فرقى جماعة من المسلمين عليهما إلى أعلا السور، ونزلوا إلى الباب وليس عليه إلا رجل أو رجلان، فتعاونوا عليه وفتحوه وذلك عند طلوع الشمس"[٨] .
والروايتان تؤديان إلى نتيجة واحدة هي أن خالدا فتح دمشق من بابها الشرقي عنوة، وأن أهلها كانوا عنها غافلين، وأن خالدا استعمل في الوصول إلى غايته السلاليم سواء كانت من الحبال أم منن غيرها، وأنه غامر ودخل المدينة وهي مغلقة الأبواب وهو الذي فتحها لجيشه.
ولكنهما تختلفان مع هذا في شيء آخر وهو أن خالدا في الرواية الأولى عرف انشغال الدمشقيين بفطنته ويقظته، وأن خالدا قد أعد الحبال والأوهاق [٩] ليستعملها عندما تحين الفرصة، وفي الرواية الثانية عرف انشغال الناس بواسطة واحد منهم، وأنه استعار السلاليم من أهل الدير القريب منه.
والذي تميل إليه النفس هو الرواية الثانية، فقد حدث ذلك كثيرا في البلاد التي فتحها المسلمون بعد أن استعصت عليهم، وبخاصة وأن الروم كانوا قد ظلموا الرعية، وأرهقوا الناس بالضرائب الباهظة، وكان الناس قد ملوهم وملوا حكمهم، وضاقوا بأساليب ظلمهم، وقد حدث ذلك فعلا عند فتح الإسكندرية.
وإلا فإن هدوء السور وخلوه من الحراس لا يدلان على انشغال الناس فقد يكون ذلك مكيدة للتغرير بالمسلمين وإيقاعهم في حبائلهم، ومثل ذلك لا يغيب عن فطنة خالد العبقري، ولا يعزب عن ذهنه.