والرواية الثانية على ما هي عليه لا تقلل من عبقرية خالد العسكرية، ولا تهون شأن الدور الذي قام به خالد في فتح المدينة الحصينة، بل إنها لتعطي إلى جانب القدرة العسكرية الفائقة حنكة سياسية بارعة، حيث استطاع خالد –رضي الله عنه- أن يكسب عطف الناس، ويستميل قلوبهم إليه حتى انتهز ذلك الرجل انشغال الناس بعيدهم، وقصد خالدا، وأخبره بما عليه أهل دمشق وأغراه بالفتح.
فبينما نرى خالدا سياسيا بارعا أقام علاقات حسنة مع أحد الأساقفة، وكسب عطف الناس واستمال قلوبهم، نراه هو وأصحابه وقد نفخوا القرب، وعلقوها في أعناقهم، وعبروا بها الخندق المحيط بالسور، ولا يكاد يعبر حتى ينصب السلاليم ويرقى عليها ثم يستعملها في الهبوط إلى داخل المدينة، وصيحات التكبير تملأ الفضاء، ويقتل الحراس، وينشر الرعب في أنحاء العاصمة الحالمة الوديعة التي كان أهلها بالأمس يلهون آمنين.
إنها حنكة خالد السياسية شدت أزر عبقريته الحربية فكانت الثمرة فتح دمشق العتيدة الحصينة، ما أروع الحنكة السياسية حين تتعاون مع الخبرة العسكرية، وأعظم من ذلك وأروع أن تجتمع الصفتان في رجل واحد قادر على استخدامهما متى شاء لا حين تجبره الظروف وتضطره الأوضاع.
كان فتح دمشق عند بعض المؤرخين بعد اليرموك وفي السنة نفسها بعد حصار دام سبعين يوما أو أربعة أشهر أو ستة أشهر، وكان ذلك كله ولم تخرج سنة ثلاث عشرة للهجرة النبوية، والرأي الذي رجحه ابن كثير هو أنه فتحت في رجب سنة ١٤ هـ وقال:"هو رأي الجمهور"[١٠] .