واتفاق المؤرخين على أن دمشق وإن كان بعضها فتح عنوة وبعضها فتح صلحا إلا أنه قد أجرى عليها جميعا حكم الصلح، وكان الصلح عند أكثر المؤرخين على المقاسمة أي أن المسلمين قاسموا سكان دمشق كل ما كان في أيديهم حتى الكنائس، وكان عددها خمس عشرة كنيسة أخذ المسلمون منها سبعة وقاسموهم أكبر الكنائس وأضخمها كنيسة القديس يوحنا المعمدان [١١] ، فأخذ المسلمون نصفها وجعلوه مسجدا وتركوا لهم نصفها الغربي كنيسة يقيمون فيها شعائرهم [١٢] ، وقد أخذ الوليد بن عبد الملك منهم النصف الذي بأيديهم وأدخله في المسجد المعروف بالمسجد الأموي اليوم [١٣] .
وتضمن هذا الصلح فرض الجزية على سكان دمشق، وقد جعلها أبو عبيدة دينارا على كل رأس وشيئا من الحنطة والزيت والخل يقتات به المسلمون، وكتب أبو عبيدة بذلك إلى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- فكأن عمر لم يرض بذلك بل نظر إلى طبقات الناس واختلافهم في اليسار وعدمه [١٤] ، كما فرضها على الذكور البالغين القادرين على تأديتها دون غيرهم [١٥] .
روى البلاذري أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد يأمرهم أن يضربوا الجزية على كل من جرت عليه الموس، وأن يجعلوها على أهل الورق أربعين درهما، وعلى أهل الذهب أربعة دنانير، وعليهم من أرزاق المسلمين مدان من حنطة، وثلاثة أقساط زيتا، وجعل عليهم ودكا وعسلا [١٦]
المسلمون في دمشق:
استقر الأمن للمسلمين في دمشق، وطاب لهم فيها المقام، فعاشوا بين قصور وأنهار وورود وأزهار، ونظر أبو عبيدة فإذا كثير من أهل دمشق يتركون بيوتهم ويفرون إلى إنطاكية، حيث يقيم هرقل، ورأى المسلمين يسكنون هذه الدور، وينعمون بتلك القصور فخاف أن يخلدوا إلى الدعة والنعيم، وأن ينسوا من خلفوا وراءهم من المقاتلين فذكرهم بهم حين عمد إلى قسم الغنائم، فقسم معهم لذي الكلاع وجنوده، ولأبي الأعور ورجاله، ولبشير ومن معه، كما قسم للجنود الذي يحاصرون فحلا.