للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولمس خالد بن الوليد وضرار بن الأزور ما أصاب جيش الروم من الفشل والوهن فشدا عليه شدة حطمت معنوياته، وأحدثت فيه من الخلل والاضطراب ما لم يعد في الإمكان تلافيه، وأقبل الليل بظلامه المخيف وسيوف المسلمين تنهبهم نهبا، فتزلزلت قلوبهم في صدورهم، واضطربت مع شدة الضربات صفوفهم، فحسبوا الليل فرصة للهروب من سيوف المسلمين فانهزموا حيارى خائفين، فضلوا الطريق، وأسلمتهم الهزيمة إلى الوحل الذي صنعوه بأيديهم لينع عنهم زحف المسلمين وقتل سقلار ورديفه نسطورس، وظفر المسلمون أحسن ظفر وأهنأه [٢١] .

ولحق بهم المسلمون وقد حال الوحل بينهم وبين الفرار، فتناولوهم بأطراف الرماح وقتلوا منهم ثمانين ألفا لم يفلت منهم إلا الشريد، وهكذا بدأت الهزيمة في فحل، ووقع القتل في الرداغ [٢٢]

إن تنصروا الله ينصركم:

وهكذا بدت للمسلمين آيات الله تعالى فقد كان سبحانه يهيئ لهم أسباب النصر في شيء كرهوه وبرموا به، لقد كان انبثاق الماء، وتوحل الأرض مكيدة اتخذها الروم ليعوقوا تقدم جيش المسلمين، وأراد الله أن يكون الماء والوحل سببا في انتصارهم وهزيمة عدوهم {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال الآية ٣٠) . فانقلبت المكيدة على من اتخذها، وكانت عونا للمسلمين على عدوهم، وأناة من الله ليزدادوا بصيرة وجدا [٢٣] .

وغنم المسلمون من الروم في تلك المعركة مغانم لم يقدرها المؤرخون، فاقتسموها بينهم، واطمأنت نفوسهم إلى موعود الله لهم، وانصرف أبو عبيدة وخالد بن الوليد إلى حمص تنفيذا لأمر الخليفة، وصحبا معهما سمير بن كعب وذا الكلاع الحميري ومن معه وخلفا شرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ليتمما فتح الأردن وفلسطين.


[١] ابن كثير ٧/٣٢٠.
[٢] الطبري ٣/٤٣٧-٤٣٨.