للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثانية: أنه جاع ثلاثة أيام لقلة ذات يده فاستقرض دقيقا من أحد إخوانه ولما وصل إلى أهله عرفوا حاجته إليه فأسرعوا في خبزه وإنضاجه ووجدوا تنور لولده صالح مسجورا فأنضجوا قرص الخبز فيه، فلما قدم إلى أحمد وكأنه لاحظ سرعة تقديم الخبز له فسألهم فأخبروه أنهم طبخوه في تنور صالح ولده وكان صالح يتقاضى راتبا من الدولة فامتنع من أكله وواصل جوعه من ورعه. فأي ورع أعظم من هذا الورع؟ أمن أجل أن ولده يأخذ الجوائز المالية من السلطان يمتنع من أكل خبز يطبخ في تنوره المسجور، وهو ولده والولد وماله لوالده؟ فضرب أحمد بهذا رقما قياسيا في الورع لا يمكن أن يناله أحد سواه.

أما عن زهده رحمه الله تعالى فحدث ولا حرج قال أبو داود رحمه الله تعالى كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا وما رأيت أحمد ذكر الدنيا قط.

ولم يكن هذا منه رحمه الله تعالى إلا احتقارا للدنيا وعدم التفات إليها وذلك لقلتها وسرعة زوالها وهذا هو الزهد في الدنيا.....

وحكى ولده عبد الله رحمهما الله تعالى معا فقال كنا في زمن الواثق الخليفة العباسي في ضيق شديد فكتب أحد الصالحين إلى أبي -لا شك أنه سمع بحاجة أحمد وما هو فيه من ضيق- كتب إليه: إن عندي أربعة آلاف درهم ورثتها من أبي، وليست صدقة ولا زكاة، فإن رأيت أن تقبلها أبعثها لك: فامتنع أحمد من قبولها، فكرر عليه الرجل قبولها فأبى أن يقبلها ورضي بحاجته وما به من خصاصة. وعرض عليه أحد التجار عشرة آلاف درهم ربحها من بضاعة جعلها باسمه فأبى أن يقبلها، ورد عليه قائلا: نحن في كفاية وأنت جزاك الله عن قصدك خيرا. كما عرض عليه شيخه عبد الرزاق باليمن يوما ملء كفه دنانير وهو في أمس الحاجة إليها لنفاد ماله وانقطاعه عن بلده فلم يقبلها.