وبناء على هذا فإن الزهد والورع كل منهما صفة كمال في الإنسان المسلم وهما سلم إلى درجات الفضل والكمال والتفاوت بينها عظيم جدا، ومن هنا لم يكن أهل الورع والزهد في درجة واحدة بل بينهما من التفاضل ما الله بع عليم وهذا الإمام أحمد بين أهل الزهد والورع، يعتبر مثالا عاليا، وقدوة صالحة فلم يسبقه في هذا المجال أحد، ولم يلحقه آخر، والروايات التالية وهي صحيحة السند إلى الإمام أحمد أخرجها البيهقي ورواها عنه ابن كثير في بدايته تثبت الحقيقة وتؤكدها.
ولنكتف في باب الورع بروايتين منها فقط:
الأولى: قال يوما الإمام الشافعي لهارون رشيد: يا أمير المؤمنين إن اليمن يحتاج إلى قاض، فقال له الرشيد اختر رجلا نوله إياه. فقال الشافعي لأحمد وكان يتردد عليه لطلب العلم: ألا تقبل قضاء اليمن يا أحمد؟ فقال أحمد: إنما أنا اختلف إليك لطلب العلم المزهد في الدنيا، فتأمرني أن آتي القضاء، ولولا العلم لما كلمتك بعد اليوم!!!
فاستحي منه الشافعي وسكت.
إن رغبة أحمد عن الولاية وهي مما يتسابق الناس إليه ويتنافسون في الحصول عليه، بل مما يتقاتلون على طلبه والظفر به لم تكن إلا ورعا منه، إذ طلب الولاية طلب مباح، ولكن تركها أحمد وهي لا بأس بها خشية الوقوع فيما به بأس.