وكان نقص عدد المحاربين من المشركين بالقتل والأسر كسبا ضخما في هذه الحالة لا يعدله مال، وكان هناك معنى آخر يراد تقريره في النفوس، وتثبيته في العقول، ذلك هو المعنى الكبير الذي أشار إليه عمر رضي الله عنه في صراحة ونصاعة. "وحتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هداوة للمشركين"لهذين السببين الكبيرين نحسب أن الله سبحانه وتعالى كره للمسلمين أن يفادوا أسارى بدر.
وهذا الذي انتهى إليه المسلمون في معاملة أسراهم هو آية كبيرة تتجلى فيها مظاهر الرأفة والرحمة والحسنى.
ومع ذلك يقف غير واحد من المستشرقين. عند أسرى بدر هؤلاء وعند مقتل النضر ابن الحارث وعقبة بن أبي معيط ويتساءلون:"أليس في ذلك ما يدل على ظمأ في هذا الدين الجديد إلى الدم ظمأ لولاه لما قتل الرجلان، ولكان أكرم للمسلمين بعد أن كسبوا المعركة أن يردوا الأسرى وأن يكتفوا بالفيء الذي غنموا". علما بأن هذا التساؤل ما يلبث أن ينهار ويتداعى إذا نحن وازنّا بين مقتل النضر وعقبة، وما يجري اليوم وما سيجري ما دامت الحضارة الغربية التي تتشح بوشاح المسيحية متحكمة في الأرض. فهل نراه يوازي شيئا إلى جانب ما يقع بايم قمع الثورات في بلاد يحكمها الاستعمار على كره من أهلها؟ وهل تراه شيئا إلى جانب ما وقع من مجازر الحرب العالمية الكبرى؟.
وهل هذه المعاملة التي وقعت من الرسول صلى الله عليه وسلم وقبول الفداء منهم وقوله لأصحابه "استوصوا بالأسارى خيرا" أفضل؟.
أم ما يناله الأسارى في الحروب الحديثة من معاملة سيئة قاسية عنيفة رغم وجود النظر الدولية الخاصة بالأسرى، وكيفية معاملتهم مما لم تحترمها الدول الحديثة وجعلتها حبرا على ورق.
وما زال أسرى الحرب العالمية الأخيرة تعامل بعضهم معاملة مجرمي الحرب، ويلاقون العذاب والمهانة والذل، ويعاملون معاملة سيئة لا تمت إلى الإنسانية بصلة.