للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن تعجب فعجب لما بذله شعراء هذا العصر من جهد لاستخدام الشعر التعليمي في موضوعات اللهو والمجون الذي أصاب جانبا من جوانب ذلك المجتمع متأثرا بأمراض الفكر الوافد، والثقافة الدخيلة وأدوائهما ... فراحوا يضعون للهو والمجون أصولا وقواعد تجب مراعاتها، وقوانين ومراسم ينبغي أن تراعى وتلتزم [٤] .

من ذلك أرجوزة الرقاشي المزدوجة التي تحدث عنها ابن المعتز في طبقاته، قائلا عن ناظمها: ".... وهو يزعم كما ترى: أنها تدخر لوقت الموت، مجونا وخلاعة، وأولهما:

أوصى الرقاشي إلى خلاّنه

وصية المحمود في إخوانه

وهي مشهورة وموجودة" [٥] ... ولكن لم يصل منها غير هذا الذي أشار إليه ابن المعتز.

كما قام ((حمدان بن أبان اللاحقي)) بوضع أرجوزة طويلة في الحب وحيل المحبين اختار منها أو بكر الصولي ثمانية أبيات ومائة بيت أثبتهما في كتابه ((الأوراق)) بدئت بقوله:

ما بال أهل الأدب

منّا وأهل الكتب

قد وضعوا الآدابا

واتبعوا الأصحابا

لكل فن دفتر

منقط محبر

ففرقت أجناسا

وعلموها الناسا

بالحيل الرقيقة

والفطن الدقيقة

فارشدوا الضلالا

وعلموا الجهالا

سوى المحبين فلم

يرعوا لهم حق الذمم

في علم ما قد جهلوا

وما به قد ابتلوا

ويمضي حمدان اللاّحقي إلى أن يقول في آخر منظومته:

قد تم مني الوصف

ولم يخني الرصف

وانقضت القصيدة

محبوبة حميدة

والحمد للرحمن

ذي العزّ والسلطان

والذم للشيطان

ذي الذم والطغيان [٦]

ومن أروع ما جاء في هذا اللون من الشعر التعليمي ما أورده ابن المعتز في أرجوزته الطويلة ((ذم الصبوح)) ... إذ يصور شارب الخمر في أتعس حالاته وأبأس أوضاعه، فيقول في آخر قصيدته:

فمن أدام للشقاء هذا

من فعله والتذه التذاذا

لم يلف إلا دنس الأثواب

مهوّسا مهوّس الأصحاب

فازداد سهوا وضنى وسقما