ومن هنا: نرى أن الشعر التعليمي قد وجد عند العرب منذ جاهليتهم بكل أقسامه التي عرفت عند اليونان، وقد رأينا لذلك أمثلة عند شعراء جاهليين، كما وجدناه عند الشعراء الأمويين في أخص أقسامه، في أبياته في صناعة الكيمياء.. ووجدناه في الأرجوزة الأموية التي اتخذت وسيلة لتعليم غريب اللغة، مما ألهم المقامة فيما بعد، ودفع بالشعراء في العصر العباسي إلى التوسع في الشعر التعليمي، حتى إذا ولج أبان اللاحقي هذا الميدان، فتح الباب واسعا، فتهافت عليه من تهافت من الشعراء أو النظاميين!..
وبهذا يتضح أن الشعر التعليمي العباسي لم يكن في جملته وتفصيله تقليدا لمثيله عند الأمم الأخرى كالهنود واليونان.. تلك الأمم التي عرفت هذا اللون من الشعر!..
ولكن هل يعني هذا الكلام أننا ننكر أن للثقافة الدخيلة والفكر الوافد أثرا في الشعر التعليمي خلال هذا العصر؟!.
كلا!.. نحن لا ننكر هذا التأثير، ولكنا نريد أن نقول: إن التأثير الوافد لم يكن في إنشاء هذا اللون من الشعر في الأدب العربي وإيجاده –فلقد كان ذلك موجودا في العربية منذ زمن طويل كما رأينا- ولكن التأثير كان في تشكيله وإعطائه ملامح نهائية، وسمات بينة، متعاونا مع عوامل أخرى ...