وهنا يجب أن نتوقف قليلا أمام ما يقوله بعض السطحيين من أن العلم الحديث قد توصل إلى معرفة نوع الجنين وهو في بطن أمه، ويفهمون أن هذا من الغيب الذي أشار إليه القرآن في قوله تعالى:{وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَام} وعلم الأرحام لا يقتصر على معرفة ما في الأرحام من ذكر أو أنثى، إنما يحتوي على آلاف الغيبيات التي تتعلق بهذا الكائن، وبكل خلية من خلاياه وبكل صفة من صفاته. فالصبغيات التي في أي خلية من خلايا الإنسان تحتوي على المورثات، وتحمل أكثر من عشرة آلاف مورثة، كل واحدة تختص بشيء معين في الجسم، هذه تختص بالمشية، وثانية تختص باللون، وثالثة تختص بالشعر، ورابعة تختص بطبيعة الإنسان، وخامسة تختص بعقل وذكاء الإنسان، وسادسة ... وألف ... وألفان ... إن علم الأرحام عالم مستقل بذاته أكبر من أن تحتويه العقول وتكتشفه الأفهام.
ومع ظهور علم الوراثة فتحت بذلك أمام العلم الحديث أبواب واسعة لدراسة أمراض المستقبل، وسلط الضوء على احتمالات الجيل الجديد، وما يجب التخطيط نحو هذا الجيل القادم حتى يأتي قويا متجدد النشاط والحيوية، وخاصة أن العلم يقول بأن أمراض الوراثة في الأطفال تكاد تقارب نصف عدد مرض الأطفال في المستشفيات الجامعية.
فالوراثة تشكل هذا المستقبل وترسم معالمه سواء كان صحة أم مرضا.
ومن هنا فإنه عندما نريد أن نتخذ قرار الزواج فلا بد أن نقف طويلا لندرس عوامل الوراثة لأن زواج الأقارب يساعد على كثير من الأمراض ويضاعف من بعضها، كذلك فإنها قد تكون من زوجين من غير الأقارب. لأنه كما عرفنا أن الصفات الوراثية جميعها تكمن في كل خلية من خلايا الإنسان. كذلك فإن البويضة (في المرأة) هي خلية تحتوي على كل صفات الأم وبالمثل فإن الحيوان المنوي (في الرجل) هو خلية تحتوي على كل صفات الأب، ومنهما يتكون إنسان المستقبل حاملا صفات الأب والأم بنسب متفاوتة.