فالجواب إذن أن ننظر إلى كتاب (التاريخ) على أنه من أوائل المصنفات التي وصلتنا في الرجال وكل من جاء بعد البخاري فقد اعتمد على كتابه, وتتبع أحوال رجاله، ونسق بعض تراجمه ونحو ذلك، ولقد كان للتاريخ الكبير قيمة علمية كبرى في عصره، فقد أسند الخطيب إليه أنه قال:"لو نشر بعض إسنادي! هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت كتاب التاريخ ولا عرفوه".
وأسند إليه أيضا قوله:"أخذ إسحاق بن راهويه كتاب التاريخ الذي صنفت، فأدخله على عبد الله بن طاهر فقال: أيها الأمير، ألا أريك سحرا؟ قال: فنظر فيه عبد الله بن طاهر فتعجب منه وقال: لست أفهم تصنيفه"[٣] وهذا ليس كبيرا على كتاب البخاري إذا استحضرنا ما فيه من علوم وأسانيد وتذكرنا العصر الذي كتب فيه. وليس بكثير على مثل الإمام البخاري الذي يقول فيه تلميذه الإمام الترمذي:
"لم أر أحدا بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل البخاري"[٤] .
ومن تتبعي لكثير من رجال (التاريخ) يمكنني أن أعطي صورة موجزة عن منهج البخاري في تاريخه تتلخص في النقاط التالية:
١_ لقد رتب الإمام البخاري تاريخه على حروف المعجم (أ، ب، ت، ث) كما رتب هؤلاء على أسماء آبائهم مرتبين على الترتيب الأبجدي -كما قال في مقدمة كتابه - إلا أنه قدم من اسمه (محمد) على سائر الأسماء لشرف هذا الاسم الكريم.
٢_ ابتدأ بذكر ترجمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونسبه إلى آدم عليه السلام بعد أن قدم لذلك بمقدمة بين فيها فضل قريش على الناس. وذكر شيئا من صفاته صلى الله عليه وسلم، ومدة بعثته وذكر كيف بدأ التاريخ الهجري في عهد عمر بن الخطاب ثم ذكر تاريخ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
٣_ وخطته: أنه يذكر أسماء الصحابة ثم التابعين ثم من بعدهم في كل حرف من الحروف.