لقد استفاد ابن أبي حاتم من كتاب (التاريخ الكبير) للإمام البخاري، فاستوعب في كتابه رجاله ثم ذهب يسأل أباه وأبا زرعة الرازيين عن رأيهما في كل راو من هؤلاء الرواة، وكان الرجل ذا خبرة واسعة في هذا الشأن إلا أنه كان يتلمس آراء مشاهير النقاد ليتخلص من التبعة. ويؤيد ما قلته هذا شيئان:
١_ الأول ما ذكره هو في المقدمة [٢٢] فقال: "وقصدنا بحكايتنا الجرح والتعديل في كتابنا هذا إلى العارفين به العالمين له متأخرا بعد متقدم إلى أن انتهت بنا الحكاية إلى أبي وأبي زرعة. رحمهما الله، ولم نحك عن قوم قد تكلموا في ذلك لقلة معرفتهم به".
٢_ ما ذكره الذهبي [٢٣] عن محمد بن مهرويه قال: "سمعت ابن الجنيد قال: سمعت يحي بن معين يقول: إنا لنطعن على أقوام قد حطوا رحالهم في الجنة من مائتي سنة!! قال محمد بن مهرويه: فدخلت على ابن أبي حاتم، وهو يحدث بكتاب الجرح والتعديل فحدثته بهذا فبكى وارتعدت يداه وسقط الكتاب وجعل يبكي ويستعيدني الحكاية".
إلا أن ابن أبي حاتم الذي عرف أقوال النقاد المتمرسين وغيرهم، قد كون لنفسه منهجا في الرجال، وعرف موضع كل رجل في سلم الجرح والتعديل، وكان يختار للراوي من هذه الأقوال الكثيرة فيه ما هو الأليق بحاله، حتى وإن نسب هذا القول لأبيه أو أبي زرعة أو غيرهما. فانظر إليه وهو يقول:
"ونظرنا في اختلاف أقوال الأئمة في المسؤولين عنهم، فحذفنا تناقض قول كل واحد منهم، وألحقنا بكل مسؤول ما لاق به وأشبهه من جوابهم".