ومن الحكمة كذلك في الدعوة ملاحظة أقدار الناس وعدم التسرع في الكلام حتى تحين فرصة قد تكون الكلمة فيها خيرا من كثير من الكلام، ومن أمثلة ذلك ما ذكر بعض المشائخ أنه سافر إلى الهند في طلب العلم، وهناك وجد شيخا كبيرا مرهوب الجانب مسموع الكلمة ذائع الصيت يؤم مجلس درسه طلاب كثيرون وكان هذا الشيخ الهندي إذا أبتدأ درسه بدأه بسب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله والتحذير من مذهبه، فلما سمع ذلك الشيخ النجدي لم يسارع في الانكار عليه بل أخذ يدرس الطريقة التي يعرف فيها الشيخ الهندي بحقيقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله دون إزعاج أو إثارة وأخيرا عرف أن الشيخ الهندي يجلس في بعض الأوقات عند بعض المكاتب وأن من عادته إذا جلس أخذ يطالع ما قرب منه من كتب، فاتصل الشيخ النجدي بصاحب المكتبة وصاحبه مدة ثم جاء بكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ثم خلع غلافه وما عليه من عنوان ثم وضع الكتاب قرب مجلس الشيخ فلما جلس الشيخ الهندي أخذ كعادته يقلب الكتب ووقع على هذه الرسالة التي لاتحمل عنوانا فلما أخذ يطالعها دهش لصغر حجمها وما أحتوته من قواعد في العقائد، ثم أخذ يسأل صاحب المكتبة عن اسم هذا الكتاب فقرب منه النجدي وقال له:"هل أعجبك يا شيخ؟ "قال: "إن فيه نفس محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله وكأنه من تأليفه". فقال له الطالب:"هذا هو كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله"فقال الشيخ مندهشا: "النجدي؟ النجدي؟ "قال: "نعم"فأخذ يترحم عليه ثم صار لا يجلس مجلسا ألا أثنى فيه على الشيخ كفارة لما كان منه قبل ذلك.