للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استكبر فرعون، وجحد رب العالمين، بل ادعى أنه لا يعلم لقومه إلها غيره قال تعالى على لسانه: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء /٢٣) ، وقد أخبر المولى جل وعلا عنه أن ذلك الإنكار الصادر منه مغالطة بلسانه، وأنه غير مطابق للحقيقة المستقرة في نفسه، قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام مخاطبا فرعون: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} (الإسراء /١٠٢) فالانحراف والميل عن الخط السوي أمر طارئ على البشرية، وذلك حين فساد الفطرة [١] . لأن البرهان على وجود الخالق حقيقة محسوسة وأمر واضح غاية الوضوح إذ الإنسان يعيش، ويحيا في هذا الكون، فيشاهد في نفسه، وفي الأشياء من حوله تغيرا مستمرا، إذ تنعدم أشياء وتوجد أخرى كما يشاهد دقة وتنظيما [٢] في كل ما يرى ويلمس فيصل من هذا عن طريق الإدراك الحسي إلى أن لهذه الأشياء موجدا أوجدها ومنسقا لسيرها وحركاتها أراد ذلك منها، وهذا أمر طبيعي جدا غير بعيد عن فهم أي إنسان مهما كان إدراكه، فإذا شاهد الإنسان بيتا منظما ومنسقا أو سمع صوتا، أو أحس بضربة سوط، ولم ير الضارب أو الباني أو صاحب الصوت فإنه يوقن أن لهذا البيت بانيا، وأن هذا الصوت صادر عن شيء سواء أكان رجلا أو حيوانا، أم آلة، وأن تلك الضربة حدثت من ضارب، فكان وجود الشيء الذي نتج عنه بناء البيت، أو ظهور الصوت، أو حدوث الضرب أمرا قطعيا عند من شاهد البيت أو سمع الصوت أو أحس بالضرب، إذ قام البرهان الحسي على وجوده، فالاعتقاد بوجود سبب أوجد هذه الظواهر أمر مسلم به عند العقلاء.