فكذلك الإنسان يشاهد تغير الأشياء الموجودة فتنعدم أشياء ويحدث غيرها كما أنه يرى النظام البديع في العالم، والدقة المتناهية في سير بعض المخلوقات وترتيب حركاتها وضبط مواعيدها، فيدرك أن هذا الإبداع وذلك النظام وذاك التغيير لا يمكن أن يحدث من نفس تلك الأشياء، لأنها عاجزة عن إيجاده، كما أنها عاجزة عن دفعه كل ذلك يدعو إلى الإيمان بوجود خالق لهذه الموجودات، قائم بتدبيرها، منظم لها.
ومن هنا نرى أن وجود هذا الخالق الذي دل عليه وجود هذه الأشياء من الأمور القطعية، الذي يدل عليه الدليل الحسي، يشهد لذلك قول ذلك الأعرابي القائل: "البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير، وليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج أفلا تدل على الصانع الخبير [٣] فقد أدرك هذا الأعرابي بفطرته السليمة التي فطره الله عليها أن هذه المخلوقات العظيمة التي تسير بانتظام وإحكام، ليل يعقبه نهار، ونهار يعقبه ليل، لا يمكن أن تحدث إلا بمحدث، وأن لا تسير بهذا النظام المتقن إلا بمقدر مختار، ولذلك جاءت براهين القرآن الكريم لافتة النظر إلى ما يقع عليه حس الإنسان للاستدلال بذلك على وجود الخالق ثم عبادته وحده كقوله تعالى:{أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}(الغاشية /١٧) .