وهكذا نرى أن قضية الخلق والإيجاد وإن كانت قضية جافة على الصعيد الفلسفي، فهي بدهية على الصعيد الحسي لا تحتاج إلى برهان، لأنها من ضرورات الفطرة ولذا فإن القرآن الكريم يطرحها على المخاطبين كقضية مسلمة لا تحتاج إلى استدلال، ولا تحتمل الجدل والمماراة، انظر إلى قوله تعالى مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}(العلق /١) ، والخطاب وإن كان موجها إليه فهو لأمته جميعا، والمخاطبون حين نزول القرآن يعرفون ربهم الذي خلقهم كما قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}(العنكبوت /٦١) ، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}(الزخرف /٨٧) . وإنما كان انحرافهم في العبادة فيجعلون مع الله آلهة أخرى يعتقدون فيها النفع والضر، كما قال تعالى حكاية عنهم في إنكارهم على محمد صلى الله عليه وسلم دعوته إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة وترك عبادة الآلهة المزعومة:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}(ص /٥) ، وإن وجد في ذلك الوقت قلة ممن فسدت فطرتهم إلى أن اعتقدوا أن التأثير في الحياة والممات إنما هو من الدهر، قال تعالى حكاية عنهم:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْر}(الجاثية /٢٤) ، ولكن الله تبارك وتعالى بين أن قولهم هذا قول بلا علم، وإنا هو مبني على الظن، والظن لا يغني من الحق شيئا، قال تعالى:{وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ}(الجاثية /٢٤) ، كما طالبهم بالدليل على اعتقادهم الفاسد ودعواهم الباطلة، وهي قولهم: إنهم خلقوا من غير شيء فقال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (الطور