وقد تحدث القرآن الكريم عن خلق السماء فبين أنها جرم خلقه الله تعالى وبناه ورفعه، وأنها محكمة في صنعها ليس فيها خلل ولا تصدع مرفوعة بأمر خالقها محفوظة بقدرته، وأنها آية من آيات الله الكبرى المعروضة على الأنظار المصاحبة للواقع المشهود للنظر فيها بعين البصيرة لا بالبصر المجرد، حتى يأخذ المخاطب منها الدليل على وجود خالقها ومتقن صنعها، يقول تعالى:{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ}(ق/٦) ، ويقول تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ, الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(آل عمران /١٩٠,١٩١) ، فتأملهم في خلق السماوات والأرض وما اشتملتا عليه من آيات دالة على قدرة موجدها، أدى ثمرته المطلوبة كما رسمته الآية الكريمة إذ رتبت النتائج على مقدمات التفكر دون فاصل بينهما، فتفكرهم دعاهم إلى ذكره تعالى في كل حالة من حالاتهم، قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ما علموا أن هذه المخلوقات لا يمكن أن توجد عبثا، {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} فنقلهم ذلك التفكر الواعي في هذا الكون وفي بديع صنعه إلى الإيمان بالله وبما وراء هذا العالم المشاهد وهذه الحياة الحاضرة ولذلك طلبوا من ربهم وخالقهم وقايتهم من عذاب النار، خوفا من الخزي والعار {سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} يقول سيد قطب في تفسير هذه الآية: "هذه هي طريقة المنهج الرباني في التوجيه للانتقال من مرحلة التأثر الوجداني بالتفكر والتدبر في خلق الله، إلى مرحلة العمل الإيجابي وفق هذا التأثر تحقيقا للمنهج الذي أراده الله [٥]