ودليل الخلق والإبداع الذي يعرضه القرآن بالأساليب المختلفة والطرق المتعددة شامل لجميع مخلوقات الله كلها، العظيم منها والحقير، وقد بين القرآن الكريم في تلك المخلوقات مظاهر قدرة الله وعظيم حكته وواسع رحمته، كما أوضح فيها أن القادر على الخلق هو الرب، وهو المعبود، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة /٢٢) ، بل إنه بقضية الخلق تحدى المشركين، الذين اتخذوا آلهة معبودة من دون الله أن يدعوا هذه الآلهة لتخلق أقل موجود وأحقره فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}(الحج /٧٣) بل بين أنه لو سلبهم الذباب شيئا مما بأيديهم لما استطاعوا إنقاذه منه، ولو اجتمعوا له، وكفى بذلك عجزا، فقال تعالى:{وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ، مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج /٧٣) .
وقد تجلت آية الخلق والإبداع في أضخم مجالي الوجود، وهما خلق السماوات والأرض، وفي أعظم الظواهر الناشئة عن ذلك الخلق، كالظلمة، والنور يقول الله تعالى مادحا نفسه الكريمة على خلقه السماوات والأرض قرارا لعباده وعلى أن جعل الظلمات والنور منفعة لهم في ليلهم ونهارهم:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}(الأنعام /١) ، أي ومع هذه العناية واللطف بهم كفر به بعض عباده فجعلوا له شريكا وعدلا [٤] .