نحاول بعد هذا الوصف الموجز لآثاره الراغب في العقيدة أن نقف على موقفه من الفرق وعلماء الكلام. فقد ذكر البيهقي، الذي كان أول من ذكره، "أنه من حكماء الإسلام"[٩] أي أنه من رجال الفكر الإسلامي الذين رسخت لديهم أصول هذا الفكر الديني، وأضاف البيهقي "وكان حظه من المعقولات أكثر"[١٠] أي أن الرجل كان يصغي لصوت العقل في تثبيت أركان الإيمان إضافة إلى ما يستخدم من أدلة نقلية فيه، وفيها إشارة إلى غلبة الجانب العقلي في الدراسات الدينية.
ثم إننا نجد النص التالي لدى جلال الدين السيوطي "وقد كان في ظني أن الراغب معتزلي حتى رأيت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي (٧٩٤) ....ذكر الإمام فخر الدين الرازي (٦٠٦) .... أن أبا القاسم من أئمة السنة...."وهو قول لا نستطيع إلا أن نحترمه، ثم يضيف السيوطي:"وهي فائدة حسنة، فإن كثيرا من الناس يظنونه معتزلي [١١] ". أفهل يكون هذا التعليق ردا على ما ورد في حديث البيهقي من تغليب الجانب العقلي لدى الراغب؟ ربما كان كذلك ولكنه لا يكفي في إصدار حكم.
وترد إشارة ثالثة في هذا الصدد، فيقول الخوانساري في ((روضات الجنان)) ، وهو من مصنفي الشيعة:"إن الراغب كان من الشافعية"وهذا حكم واضح أما سببه فـ"كما أستفيد لنا من فقه محاضراته"[١٢] ويعني مناقشة الأمور الفقهية في كتاب محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء المعروف للراغب. غير أن هذا المصنف لا يلبث أن يورد حكما آخر غير مطمئن إليه فيقول عن الراغب:"وفي بعض الكتب أنه اختلف في تشيعه"ولعل هذا المصنف قد كان يتوخى الموضوعية فلم يفد من هذا الاختلاف فيحاول أن ينسب للراغب اتجاه التشيع.
ومع ذلك كله فإن هذه الأقوال تظل بحاجة إلى براهين أقوى لتوضيح هوية الراغب الفكرية بين الفرق. وهذه قد لا تتأتى إلا من آثار الراغب نفسه.