وممن اشتهروا بتحريم الخمر على أنفسهم في جاهليتهم قبل إسلامهم قيس بن عاصم المنقري الذي وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم فأسلم وقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا سيد أهل الوبر [٥] ، ومما روى في سبب تحريمه الخمر في جاهليته أن تاجر خمر في الجاهلية كان يأتيه فيبتاع منه، ولا يزال الخمار في جواره حتى ينفد ما عنده، فشرب قيس ذات يوم فسكر سكراً قبيحاً، فجذب ابنته أو أخته، وتناول قرنها، فلما أصبح سأل عنها فقيل له: أو ما علمت ما صنعت البارحة فأخبر بالقصة فحرم الخمر على نفسه، كما روى أنه شرب ذات ليلة فجعل يتناول القمر، ويقول والله لا أبرح حتى أُنزله. ثم يثب الوثبة ويقع على وجهه، فلما أصبح وأفاق قال: مالي هكذا فاخبروه بالقصة فقال والله لا أشربها أبداً [٦] .
ومن المشهور قول قيس بن عاصم في تحريمه الخمر في جاهليته وتصوير أخطارها:
لعمرك إن الخمر ما دمت شارباً
لسالبةٍ مالي ومذهبةٍ عقلي
وتاركتي من الضعاف قواهم
ومورثتي حرب الصديق بلا نبل [٧]
وروى له ما يصور قصته مع التاجر وهو قوله:
من تاجرٍ فاجرٍ جاء الإله به
كأن لحيته أذناب أجمال
جاء الخبيث ببيسانية تركت
صحبي وأهلي بلا عقل ولا مال [٨]
وقالوا: حرم صفوان بن أمية بن محرث الكناني الخمر على نفسه في الجاهلية وروى عنه قوله:
رأيت الخمر مَنْقُصَةً وفيها
مناقبُ تفسد الرجل الكريما
فلا – والله – أشربها في حياتي
ولا أشفي بها أبداً سقيما [٩]
وهي – حتى عند الجاهليين – أم الخبائث – ترتبط بكثير من الرذائل والفواحش فهي دافعة إلى الزنا، وداعية إلى لعب الميسر، وممن صور هذا الارتباط الوثيق بين هذه الرذائل التي أصلها الخمر الشاعر الجاهلي المشهور: عفيف بن معد يكرب عم الأشعث بن قيس، ومما روى عنه في ذلك قوله:
وقائلةٍ: هلُمَّ إلى التصابي
فقلت: عففت عما تعلمينا