وبذلك تنتهي المرحلة الثانية من يوميات الكعاك ليستأنف مسيرته الجديدة المزدوجة في يومه التالي.
* وتكر الأيام والسنون ويسجل الزمن عامة التاسع عشر بعد المئة التاسعة والألف، ويكبر العفاريت الصغار ويتغير واقع الناس بعد زوال شمس الخلافة وانتشار ظلمات الاحتلال الفرنسي لديار الشام، ويغيب وجه السكران الوحيد الذي كان الملهاة اليومية لأولئك الأشقياء في طرطوس، فلا يعلم أحد منا مصيره ولا يدري من أمر هويته شيئاً غير الذي عرفناه من قبل.
ومن ذلك العهد دخل الناس مرحلة جديدة من الحياة فقد جاء جنود غورو، المتحدي لقبر صلاح الدين، بالسكر والأرز والأمتعة التي ما كان الناس ليحملوا بها أثناء سني الحرب، وكان أبرز هداياهم لذلك البلد وإخوته البنطال وربطة الرقبة (الكرافات) وألوان الخمور التي لم تعرفها طرطوس من قبل، إذ لم ينقص سوى أشهر قليلة على ذلك الاحتلال حتى شرعت حوانيت الخمارين تطل برأسها هنا وهناك، بعد أن كانت الخمور أيام الكعاك من الأسرار التي لا يعرف مزظانها، ولا يقدم على تناولها إلا المغامرون بأنفسهم وإنسانياتهم.. وتستمر الأحداث في التطور فإذا الحشيش والأفيون والكوكائين وما إليها من ضروب المخدرات تأخذ سبيلها إلى أبناء الأعيان الذين وافتهم الحظوظ بالمزيد من المال، فراحوا يشترون به أصناف المتع التافهة والمدمرة، ويجرون إلى مزالقهم الآخرين من الشباب الذين فُرغوا مثلهم من كل وعي إسلامي، وسلبوا كل شعور بالمسئولية، فأصبحوا وليس لهم من صفات الأحياء إلا أنهم يأكلون ويدخنون ويسكرون ويحششون ولا يستحيون أن يتسكعوا في الشوارع وهم متعتَعون ومقهقهون.