تدمغ الدلائل الطبية والعلمية بشكل قاطع التدخين على أنه سبب أمراض متنوعة وفي زيادة نسبة الوفيات منها. وتتفاوت نسبة الضرر من تدخين السيجارات حسب طول أو قصر مدة التدخين وحسب كمية السجائر المستهلكة فكلما زاد التدخين كماً وزمناً كلما كبر حجم الضرر الحاصل عضوياً ونفسياً واقتصادياً على مستوى الفرد والجماعة والدولة ومداواة هذه الأضرار والعلل لا يكون بالعلاج بل بالوقاية.
والعالم الثالث كله معرض الآن (للاستعمار السجائري) كما قال أحد الظرفاء، إلا أن الشركات الاحتكارية، رغم سطوتها ونفوذها ومالها الحرام، هي في موقف الدفاع أمام الحقائق الدامغة. وزراعة وصناعة وتجارة التبغ ليست عملية اقتصادية – اجتماعية رابحة على المدى الطويل رغم الاستفادة المادية الظاهرة الآن في بعض البلدان من هذه النشاطات وانخداع – أو فساد ضمائر – بعض المسؤولين في العالم الثالث. بها والطريف في الأمر أن شركات التبغ الكبرى هي الآن مثل الجيش المنسحب الذي يحرق في طريق تراجعه كل شيء ولقد بدأت فعلا هذه الشركات في تنويع استثمارات ووضع رؤوس أموالها في ميادين أخرى غير التبغ خوفاً من المستقبل وحريٌّ بالمسئولين المخدوعين أو المتواطئين أن يفعلوا نفس الشيء.
وتتناقص مصالح المواطنين مع مصالح الحكومات في هذا المجال عندما ينظر بعض المسؤولين إلى الأمر من زاوية مادية ضيقة ففرنسا مثلا ربحت (٧) مليارات من الفرنكات، حوالي ١٥٠٠ مليون دولار أمريكي عام ١٩٧٨م بينما لم تصرف على حملة مكافحة التدخين في العام نفسه إلا مليونين ونصف من الفرنكات فقط. وفي مثل هذه الحالة يعمى المال أبصار الماديين حتى أبصار بعض من يدعون شفاهة (فقط) تفضيل القيم الروحية والإنسانية على المادة – وهكذا يتذرع بعض المسؤولين باستحالة معالجة مشكلة التدخين حتى لا ينهار الاقتصاد.