وساق ابن رجب حديث"كل شراب مسكر فهو حرام"عن عائشة رضي الله عنها، ثم قال:"نقل ابن عبد البر إجماع أهل العلم بالحديث على صحته وأنه أثبت شيء يروي عن رسول صلى الله عليه وسلم في تحريم المسكر ثم قال:"وأما ما نقله بعض فقهاء الحنفية عن ابن معين من طعنه فيه فلا يثبت ذلك عنه، وخرج مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل مسكر حرام"وإلى هذا القول ذهب جمهور من علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمطار وهو مذهب مالك والشافعي والليث والأوزاعي وأحمد وإسحق ومحمد بن الحسن وغيرهم، وهو ما أجمع على القول به أهل المدينة كلهم وخالف فيه طوائف من علماء أهل الكوفة وقالوا: إن الخمر إنما هو خمر العنب خاصة، وما عداها فإنما محرم منه القدر الذي يسكر ولا يحرم ما دونه، وما زال علماء الأمصار ينكرون ذلك عليهم" [١٦] .
ونعود فنقرر _ ما قرره جمهور الفقهاء وهو الصحيح _ أن كل ما من شأنه أن يسكر يعتبر خمرا ولا عبرة بالمادة التي أخذت منه، فما كان مسكرا من أي نوع من الأنواع فهو خمر شرعا ويأخذ حكمه، يستوي في ذلك ما كان من العنب أو التمر أو الحنطة أو الشعير أو العسل، أو ما كان من غير هذه الأشياء [١٧] .
يقول الإمام ابن تيمية:"إن الله حرم الخمر لأنها توقع بيننا العداوة والبغضاء وتصدنا عن ذكر الله وعن الصلاة، كما دل القرآن على هذا المعنى، وهذا المعنى موجود في جميع الأشربة المسكرة لا فرق في ذلك بين شراب وشراب، فالفرق بين الأنواع المشتركة من هذا الجنس تفريق بين المتماثلين، وخروج عن موجب القياس الصحيح كما هو خروج عن موجب النصوص" [١٨] .
ما أسكر كثيره فقليله حرام:
وإذا كانت الشريعة قد اعتبرت كل مسكر حراماً دون اعتبار للمادة التي أخذت منه فقد اعتبرت أيضا أن القليل منه كالكثير..
قال صلى الله عليه وسلم:"ما أسكر كثيره فقليله حرام" [١٩] .