ذلك أن الإنسان إذا اعتقد بكمال رحمة الله، وحكمته فيما خلق وقدر، وفيما أمر ونهى رضي بكل تعاليم هذا الإله وأحكامه، وتقبلها بقبول حسن، وسارع إلى تنفيذها دون ضجر أو حرج ودون تحايل على القانون أو هرب منه، لأنه يدرك تماما أن الله"حكيم خبير""رحمن رحيم"وأنه أرحم بعبده من الوالدة بولدها، وأن رحمته سبقت غضبه، وأن دينه {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَة} وأن أحكامه {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} وفيها {شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} إذا اعتقد الإنسان بكل ذلك سارع إلى مرضاة الله بكل قناعة ورضا وأقبل على ربه بكل وجدانه وجوارحه، تماما كما جاء في وصف المؤمنين {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} .
وبذلك يكتمل إيمانه ويسلم دينه {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} .
إن إشاعة هذا الاحترام لله ولكتابه وسنة نبيه وتعميقه له الأثر الكبير في المسارعة إلى تنفيذ ما أمر الله، واجتناب ما نهى، ظاهرا وباطنا سرا وعلنا.. ولو مع القدرة على المخالفة، وإليك الأمثلة:
سبق أن رأيت أن شرب الخمر كان عادة متأصلة في المجتمع الجاهلي إلى حد الإدمان، ولما جاء الإسلام أخذ يتدرج معهم في تحريمها، فلما كانت الخطوة النهائية ونزلت آية التحريم وفيها {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} سارع المسلمون دون تلكؤ أو تكاسل إلى كسر دنان الخمر، وإراقة زقاقها، وكانت ما أكثرها في بيوتهم حتى ذكر أنهم استمروا أياما يشمون رائحتها في الشوارع من كثرة ما أريق..
لكن بكلمة واحدة من ربهم الواحد.. قالوا انتهينا يا رب.. وذلك لاحترامهم الزائد للوحي الإلهي، وتقديسهم لأحكامه.