ففي السنن أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر يجعل في الدواء فقال:"إنها داء وليست بالدواء.."[٧٤] .
أرأيت: إنه في الوقت الذي قد يظن فيه أن النفس قد تميل إلى الاستشفاء بمحرم يقطع الإسلام عليها هذا الطريق، ويبغضها فيه ولو في أوقات الشدة والمرض فكيف بأوقات الصحة والعافية، إن احتقاره والنفرة منه أشد وأولى.
ولقد أشارا ابن القيم إلى معنى دقيق هنا في كون المحرمات لا يستشفى بها، قال:"إن شرط الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول واعتقاد منفعته وما جعل الله فيه من بركة الشفاء، فإن النافع هو المبارك، وأنفع الأشياء أبركها.
ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مما يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها، وبين حسن ظنه بها، وتلقى طبعه لها بالقبول، بل كلما كان العبد أعظم إيمانا كان أكره لها، وأسوأ اعتقادا فيها، وطبعه أكره شيء لها، فإذا تناولها في هذه الحال كانت داء له لا دواء، إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها، وسوء الظن والكراهية لها بالمحبة، وهذا ينافي الإيمان فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه داء [٧٥] .
وهكذا يريد الإسلام أن يغرس احتقار المحرمات من مسكرات ومخدرات وغيرهما في النفوس وأن يشاع بغضها وكراهيتها في الشعور الديني لجميع المسلمين حتى تعافها النفوس ولا يقبل عليها أحد وبذلك تبقى واجهة الجماعة المؤمنة نقية طاهرة لا يلوثها السوء ولا يشوه صورتها عبث المفسدين.