أما الآية الثانية وهي آية النحل وهي قوله تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} فإن هذه الآية والآيات الأخرى التي تحمل نفس المعنى مثل قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء}(الأنعام:٣٨) ، فإنها تدل على أن ما جاء في الكتاب الكريم هو بيان شامل للأحكام ولطريق الشرع، لكن هذا البيان قد حدث بأكثر من أسلوب. وهذه الأساليب تتلخص فيما يلي:
أولاً: في دلالة ألفاظ القرآن دلالة مباشرة على الأحكام، مثل قوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}(المزمل:٢٠) . وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(المائدة:٩٠) . ففي هاتين الآيتين دلالة مباشرة على وجوب الصلاة والزكاة وتحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام.
ثانياً: دلالة ألفاظ القرآن الكريم دلالة غير مباشرة على الأحكام وذلك بواسطة الاستنباط والاجتهاد العقلي القائم على مبادئ الشرع والمندرج تحت أهدافه. وهذا الاجتهاد العقلي قد دل على شرعيته القرآن الكريم نفسه. وكانت دلالة القرآن الكريم على مشروعية الاجتهاد بطريقين:
الطريق الأول: دلالة القرآن الكريم على مشروعية الاجتهاد والاستنباط بألفاظ تعطي هذا المعنى مباشرة، مثل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول}(النساء: ٥٩) . وقوله تعالى:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم}(النساء: ٨٣) .