بحث المعارضون للاجتهاد في الشريعة عن كل دليل نصيّ أو عقلي للبرهنة على صحة قولهم، ولقد أشرنا إلى ما أوردوه من نصوص السنة المعارضة وأوضحنا كيفية التوفيق بينها وبين النصوص المجيزة.
ونود هنا أن نتحدث عن بعض الآيات التي أوردها المعارضون للاجتهاد لدعم رأيهم، فمن هذه الآيات التي أوردوها [٤] والتي تعتبر من أقوى استدلالاتهم القرآنية قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً}(المائدة:٣) وقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}(النحل: من الآية٨٩)
أما الآية الأولى، وهي آية المائدة، ففي تاريخ نزولها قولان:
القول الأول: أنها آخر آية نزلت من القرآن الكريم. وعلى هذا القول فكمال الدين يعني ورود تمام مبادئه في الكتاب والسنة- والكتاب والسنة قد اشتملا على جواز الاجتهاد العقلي. فلا تناقض بين هذا المعنى وجواز الاجتهاد في الشرع.
القول الثاني: في تاريخ نزول الآية هو: أنها لم تكن آخر آية نزلت من القرآن، بل نزلت بعدها آيات وشرعت أحكام مثل آيات الكلالة والربا [٥] . وعلى هذا القول فإن كمال الدين قطعاً لا يعني ورود كل تفاصيل الدين في القرآن والسنة بدليل ورود أحكام بعد نزول تلك الآية. وعليه فتفسير الآية هو أن كمال الدين يعني نزول معظم الأحكام الشرعية التفصيلية ونزول أصول الأحكام ومبادئها- حتى إذا نزلت أحكام بعد ذلك تكون مبنيّة على تلك الأصول.
فعلى كلا الرأيين في تاريخ نزول الآية فإن المقصود من كمال الدين هو تضمن القرآن والسنة لأصول الشرع ومبادئه ودلالتهما على جواز الاجتهاد العقلي في ميدان الشرع، وتوجيههما لوسائل الاجتهاد وشروطه.