وكان المسجد هو المقر الذي اتخذه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة، وهو إمام المسلمين وقائدهم، لأنه المكان الذي تؤدى فيه جماعة المسلمين الصلوات والشعائر الدينية، وتتشاور فيه في شؤونها المختلفة، من حرب وسلم ومعاملات، وتستقبل فيه الوفود، فهو المكان الذي تتحد فيه القلوب، ويشعر فيه الجميع بأنهم في ضيافة الله سواسية لا فرق بين حاكم ومحكوم وغني وفقير وقوي وضعيف وعالم وجاهل، فالكل عبيد الله يرجون رحمته، ويخشون عقابه، ويدعونه ضارعين طالبين مغفرته ورضوانه، وهكذا تبدو أهمية البدء ببناء المسجد في المدينة الإسلامية وجعله الخصيصة الأولى من خصائص العمران في المدن الإسلامية.
٢-إقامة ولي الأمر بجوار المسجد:
أما الخصيصة الثانية من خصائص العمران في المدن الإسلامية، فهي إقامة ولي الأمر بجوار المسجد، وقد فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الأمر بعد استقراره في المدينة المنورة، فقد اتخذ مسكنه بجوار المسجد بعد بنائه، وكان صلوات الله وسلامه عليه يخرج من بيته إلى المسجد رأساً- كما ذكر ابن هشام في سيرته- فأصبح هذا الأمر تخطيطاً عمرانياً طبق في المدن الإسلامية بعد عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- اقتداءً به، وتطبيقا لسنته، فكان ولاة المسلمين يقومون ببناء المساجد أولاً ثم يبنون بيوتهم ودواوينهم بجوار المساجد، فكان مسكن الوالي في عاصمة ولايته بجوار المسجد.