وقد حقق هذا الأمر فائدة كبرى فقوى الصلة بين الراعي والرعية، ووثق الرابطة بين أفراد الجماعة الإسلامية، وزاد الألفة بينهم، فصار المؤمنون جسداً واحداً، يشعر كل عضو فيه بما يصيب العضو الآخر، وقوى بذلك بناء المجتمع الإسلامي، وأصبح مجتمعاً فريداً، لم يشهد له التاريخ مثيلاً في سمو الخلق، وصلة الرحم، وانتشار التراحم والتعاطف والود بين أفراد المجتمع بحيث يحب الواحد منهم لأخيه ما يحبه لنفسه، بل قد يؤثر أخاه على نفسه لأنه يراقب الله في كل أعماله، ويرجو بها ثواب الله ويخشى عقابه.
٢- العقيدة تحدد مكان الإقامة:
والخصيصة الثالثة من خصائص العمران الإسلامية هي تحديد مكان الإقامة في المدينة الإسلامية على أساس العقيدة، وقد اتضح هذا الأمر منذ استقرار الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة، واتخاذها قاعدة لدولة الإسلام.
وكان المسلمون في المدينة يتكونون من المهاجرين الوافدين مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ومن الذين أسلموا من سكان المدينة الأصليين من الأوس والخزرج وبعض اليهود وهم الذين سموا الأنصار، لأنهم هم الذين آووا المهاجرين من مكة ونصروهم.، بعد أن تركوا ديارهم وأموالهم وأصبحوا في حاجة إلى ضمان معيشتهم في المدينة المنورة.
وقد أحسن المسلمون من سكان المدينة الأصليين استقبال إخوانهم المهاجرين وأعطوهم شيئاً من المال، كما سمحوا لهم بالتجارة والزراعة، فعمل بعض المهاجرين في مزارع إخوانهم الأنصار مزارعة، واستطاع المهاجرون بذلك أن ينظموا أمور معيشتهم.