أما سكان المدينة المنورة في عصر الرسول الكريم فكانوا طائفتين طائفة المسلمين الذين دخلوا في دين الله الحق واستجابوا لدعوة الرسول- صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار الذين ربطت كلمة التوحيد بين قلوبهم فصاروا يكونون أمة الإسلام، التي تحمل أَمانة الدعوة إلى دين الله الحق، وتجاهد في الله حق جهاده، حتى تصير كلمة الله هي العليا فتنتشر أشعة شمس الإسلام في أرجاء العالم المختلفة، وقد حددت الصحيفة الصلات بين المسلم وأخيه المسلم والعلاقات بين المسلمين وغير المسلمين من سكان المدينة الذين هم أَفراد الطائفة الثانية، وبينت الحقوق والواجبات بالنسبة للجميع.
وقد أورد ابن إسحاق في سيرته نص هذه الصحيفة، وسجل هذه الوثيقة القيمة المنظمة للعمران والحياة في المدينة فهي تكفل للسكان من غير المسلمين- وأكثرهم من اليهود- حقوقهم وتبين ما عليهم من واجبات، فقد وادع الرسول الكريم في تلك الصحيفة اليهود وأقرهم على دينهم وأموالهم كما جعل عليهم الاشتراك مع المسلمين في مواجهة الظروف الإقتصادية الصعبة إذا وجدت، وفي صد العدو الخارجي إذا هاجم المدينة، غير أن اليهود غدروا وتآمروا على الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعلى جماعة المسلمين، فكان إخراجهم من المدينة في عصر الرسول الكريم جزاءً وفاقاً لهم، وكان لهذا الأمر أثره في المدينة المنورة منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا.
وكانت نصوص الصحيفة مستمدة مما جاء في القرآن الكريم، فنصت على أن المسلمين أمة واحدة، وأن هذه الأمة خير أَمة أخرجت للناس، لقول الله تعالى في سورة آل عمران:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه} .