وكانت الخصيصة الرابعة من خصائص العمران في المدن الإسلامية تنظيم العمران والحياة على أسس قويمة وفقاً لدستور، يستمد مبادئه من كتاب الله جل وعلا، ومن هدى الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما حدث في المدينة المنورة، بعد الهجرة النبوية، واستقرار المسلمين فيها، واتخاذها قاعدة لدولة الإسلام فقد آخى الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بين المسلمين على اختلاف قبائلهم ثم حدد العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين من سكان المدينة المنورة من ناحية، وبين سكان المدينة من مسلمين وغير مسلمين وسكان شبه الجزيرة العربية خارج المدينة المنورة من ناحية أخرى، وكتب الرسول - صلى الله عليه وسلم- صحيفة لتحديد هذه العلاقات وتوضيحها وتنظيم العمران والحياة، في قاعدة دولة الإسلام، ثم في المدن الإسلامية بعد ذلك.
وكانت هذه الصحيفة دستوراً مكتوباً، يقوم على أساس من العلم بأحوال الناس والفهم الدقيق لظروفهم، ويقرر العلاج الناجع لاستمرار حياتهم واستقرارها.
وقد كتبت الصحيفة بعد استقرار الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة وحدد الرسول الكريم فيها العلاقات بين سكان المدينة من المهاجرين والأنصار واليهود، وبينهم وبين الذين يحيطون بهم من سكان العالم حينذاك، وكانت كتابتها بعد العام الأول من الهجرة النبوية، أي بعد إقامة الدولة الإسلامية فأصبحت من الوثائق ذات الأهمية البالغة، اللازمة لفهم الأحداث التي وقعت بعد كتابتها، ولتوضيح خصائص العمران في المدينة المنورة في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم- وفي المدن الإسلامية جميعها بعد ذلك.