فهو إذن امتداد طبيعي لهذه الوظيفة التي يقول عنها ابن منجب الصيرفي ما فحواه:"أن يكون ذا دين وورع وأمانة، ونزاهة نفس، ويجب أن يكون دينه الإسلام، لأنه من الملك بمنزلة الوزير، وأن يكون متمذهباً بالمذهب الذي عليه الملك، ويجب أن يكون من يختار لهذه المرتبة ممكنا من عقله، ويجب أن يكون أصيلاً في قومه، رفيعا في حسبه، ويجب أن يكون صبيح الوجه، فصيح الألفاظ، طلق اللسان، ويجب أن يكون وقورا حليما، مؤثرا للجد على الهزل، محبا للشغل أكثر من محبته للفراغ، مقسما للزمان على أشغاله، كثير الأناة، قليل العجلة والحذق، نزر الضحك، مهيب المجلس، ساكن الظل، وقور النادي، حسن اللقاء، لطيف الإجابة، شديد الذكاء، متوقد الفهم، حسن الكلام إذا حدث، حسن الإصغاء إذا حُدث، سريع الرضا، بطيء الغضب، رؤوفا بأهل الدين ساعيا في مصالحهم محبا لذوي العلم والأدب، راغبا في نفعهم، يغلب هوى الملك على هواه ورضاه على رضاه، ما لم ير في ذلك خللا على المملكة، فإنه يجب أن يهدي النصيحة للملك، من غير أن يوجد أن فيما تقدم من رأيه فسادا أو نقصا، ولكن يتحيل لنقص ذلك وتهجينه في نفسه، وإيضاح الواجب فيه بأحسن تأن وأفضل تلطف، ويكون من كتمان السر بمنزلة لا يدانيه فيها أحد"[٢٤] .
ما ذكرناه هو مجمل الصفات الشخصية الواجب توافرها في متولي هذا الديوان، فما هو نوع الثقافة اللازمة له؟
نجد أن العناصر الأساسية لهذا العمل أن يكون صاحب الديوان مثقفا، وأول ما يجب أن يعتني به حفظ كتاب الله تعالى. فهو أحوج الناس إلى الإستشهاد به في أثناء محاوراته، وفصول مكاتباته، والتمثل بنواهيه وأوامره، والذكر لقوارعه وزواجره، ويجب أن يكون من البلاغة والفصاحة في أعلى مرتبة وأسنى منزلة، بحيث لا يوجد أحد في عصره يفوقه في هذا الفن، وينبغي أن يكون مظطلعا بفنون الكتابة، عالما بأصولها وفصولها، مستقلا بأعبائها، يفوق في النهضة جميع المستخدمين معه والمعينين له.