فرجع الرسول إلى عمرو ويحمل له إجابة ابنه، فسر عمرو وقال: هو ابني حقاً [١٣] .
وشد المسلمون على الروم شدة أزالتهم عن مواقعهم، وحطمت معنوياتهما، وقضت على ما تبقى لديهم من الصبر، فولوا الأدبار لا يلوون على شيء وقتل منهم المسلمون مقتلة عظيمة [١٤] . وفر من نجى منهم من الموت إلى الإسكندرية يلتمس في حصونها النجاة من سيوف المسلمين.
فتح الإسكندرية:
لجأ المنهزمون في كريون إلى الإسكندرية، المعقل الأخير في مصر لدولة الروم وكانت حصون الإسكندرية لا ترام، حصن دون حصن، وكانت الإسكندرية نفسها روعة في الجمال، وآية من آيات الله في هذه الدنيا، فيها من القصور والمسلات، والكنائس والمعابد والعمائر والقلاع والمنارات والتماثيل ما يأخذ بلب كل من يراها، ولا يزيد الناظر إليها إلا سحراً وعجباً.
لقد كانت الإسكندرية في ذلك العهد أجمل مدائن العالم وأبهاها، ولم يكن هناك من عواصم العالم ما يضارعها سحرا وفتنة، فليست دمشق بغوطتها وبساتينها وأنهارها إلا ضاحية من ضواحيها، وليست القدس وما حوت من مقدسات إلا معبدا من معابدها، وما إنطاكية بجبالها الشواهق، وبساتينها الفيحاء ومعابدها المقدسة إلا حيا من أحيائها، بل ما المدائن وأبيض كسرى يختال في ربوعها إلا نفحة من نفحات سحرها وجمالها.
رأى المسلمون الفاتحون ذلك كله بأعينهم حين أشرفوا على أسوارها، فاستولى عليهم العجب وأخذتهم الدهشة، وشدهم الشوق إلى اقتحام تلك الأسوار الشاهقة، ومباغتة هذه الحصون المنيعة.
أجال عمرو نظره في أطراف المدينة، ليضع خطته على أساس سليم، وليقدر للأمر ما يحتاج إليه من تدبير فوجد المدينة محصنة تحصينا طبيعيا يزيدها مناعة وصموداً، فالبحر المتوسط يحميها من الشمال، وبحيرة مريوط تقيها هجمات الغازين من الجنوب، وترعة الثعبان تلتف حولها من الغرب، وحصونها الشامخة تحيطها من الشرق.