وزاد الروم حماسا في الدفاع عن الإسكندرية أن هرقل نفسه قد عزم على الدفاع عنها، وأمر بإعداد ما يلزم ليسير إلى الإسكندرية ويباشر القتال بنفسه، كما أمر بألا يتخلف عنه أحد من الروم، وقال: ما بقاء الروم بعد الإسكندرية؟ [٢٠] .
ووقف المسلمون أمام الإسكندرية يتحينون الفرصة لفتحها، ودارت أثناء ذلك مناوشات بين الفريقين لم تصل إلى درجة الحرب، ولا نستطيع أن نسميها معركة، فقد روى ابن عبد الحكم أن فريقا من الروم خرج من باب الحصن، وحمل على المسلمين، فقتل رجلاً من مهرة، واحتز رأسه، فغضب المهريون لذلك، وقالوا لا ندفنه إلا برأسه.
فقال عمرو بن العاص: تتغضبون كأنكم تتغضبون على من يبالي بغضبكم، احملوا على القوم إذا خرجوا، فاقتلوا منهم رجلا، ثم ارموا برأسه، يرمونكم برأس صاحبكم، فلما خرج
الروم للقتال، قتل المسلمون بطريقا من بطارقتهم، واحتزوا رأسه، فرموا به إلى الروم فرمت الروم برأس المهري إليهم.
فقال عمرو: دونكم الآن، فادفنوا صاحبكم [٢١] .
وظل الحال على ذلك بين المسلمين وحامية الإسكندرية، فكلما خرجت طائفة من الروم تصدى لها المسلمون، واشتبكوا معها حتى يردوها على أعقابها، ويجبروها على اللجوء إلى الحصون تمتنع بهاء، ويبدو أن الروم قد ضاقت صدورهم بهذا الحصار، وصمموا على فض هذا الموقف مهما كان الثمن ومهما كانت النتائج، وقد زادهم ثقة بأنفسهم، وأقنعهم بقدرتهم على التفوق على المسلمين تلك الإمدادات الهائلة التي كانت تتدفق على الإسكندرية من البحر، والتي أمر هرقل بجمعها ليسير بها إلى الإسكندرية.