وقد بلغت قوات الروم خمسين ألف مقاتل [٢٢] مدججين بالسلاح، مستعدين للقتال وقد وقفوا ينتظرون قدوم هرقل ليقودهم في تلك المعركة الفاصلة ولكن الله - عز وجل - كان في عون المسلمين، وقد سبقت مشيئته – سبحانه - بنصرهم، فهم جنوده الذين يحملون دعوته، وهم رسل الهداية للناس المدافعون عن دينه، وما كان الله ليتخلى عن عباده، ولم يكن - جل وعلا - ليتركهم لأعدائه.
وبينما الروم في انتظار هرقل بفارغ الصبر لينهي هذا الحصار الذي ضاقت به نفوسهم وبينما هم ينظرون إلى الأفق البعيد من جهة الشمال لعلهم يبصرون ما يدل على قرب وصول الملك إذ رأوا رسولا قادما عليهم، فخرجوا به، وظنوا أنه مقدمة الملك الذي سبقه ليبشرهم بقرب وصوله، ويطمئنهم على النتيجة بما جلبه معه الملك مما يضمن لهم النصر الذي غاب عنهم في كل المعارك السابقة، ولم يكد جند الروم يلتفون حول الرسول ليتعرفوا منه أخبار هرقل حتى فاجأهم بنبأ وقع عليهم وقوع الصاعقة، ولم يجدوا عنده ما يشجعهم على الإستمرار في المقاومة والإصرار على الدفاع عن الإسكندرية.
لم يكن هذا الرسول إلا ناعيا نعى إليهم ملكهم الذي كانوا يرجون النصر على يديه، فما عساهم يفعلون؟ لقد سقط في أيديهم، وانقطع الأمل الذي كانوا به يتعلقون، وخارت قوى القوم فلم يستطيعوا صبراً ولا نصراً، ولكنهم مع ذلك لم يستسلموا.
وأراد المقوقس أن يعقد للإسكندرية صلحا كالذي عقده لأهل بابليون، ولعله أراد أن يظفر بذلك الصلح قبل أن يبلغ المسلمين نبأ وفاة هرقل، ولكن عمرا أحس بأن هذا العرض من المقوقس لا يكون إلا نتيجة تخاذل وشعور بالضعف، فرفض عمرو الصلح، وحينئذ حاول المقوقس أن يخدع المسلمين، فأمر النساء بلبس السلاح والوقوف على أسوار المدينة مقبلات بوجوههن إلى الداخل، وأقام الرجال في السلاح مقبلين بوجوههم إلى المسلمين، يريد بذلك أن يرهب المسلمين.