وحق للخليفة أن يستبطئ النصر فقد مكث المسلمون أمام الإسكندرية أشهراً [٢٥] ، دون أن يستطيعوا اقتحامها، وقد طالت هذه الأشهر حتى بلغت عند البلاذري ثلاثة أشهر [٢٦] وأما ابن عبد الحكم فقد ذكر أن الحصار استمر أربعة عشر شهرا: خمسة أشهر قبل موت هرقل وتسعة بعده [٢٧] وبلغت مدة الحصار عند بتلر أربعة أشهر وأياما، وذلك لأنه ذكر أن الحصار بدأ في آخر شهر يونيو سنة ٦٤١ م وأن المدينة فتحت في ٨ نوفمبر سنة ٦٤١ م ويذكر القضاعي أن حصارها دام ستة أشهر [٢٨] .
والذي يظهر أن رأي بتلر هو الصواب في تلك المسألة، ذلك لأن أمير المؤمنين كتب في كتابه إلى عمرو "إنكم تقاتلون منذ سنتين"فإذا لاحظنا أن عمرو بن العاص وصل إلى العريش في ديسمبر سنة ٦٣٩ م كما ذكرت سالفا وأن الإسكندرية فتحت في نوفمبر سنة ٦٤١ م كانت مدة الحصار تلك الأشهر الأربعة التي ذكرها بتلر مضافا إليها ما زاد من الأيام.
وكان من حق الخليفة أن يستبطئ الفتح لأن جيوش المسلمين قد فتحت بلاد الشام كلها في سنتين، فكيف لا يستطيعون فتح مصر في سنتين، ويظهر لي أن الخليفة قد استبطأ النصر في تلك المدة التي ذكرها، ولم يكن استبطاؤه لفتح الإسكندرية وحدها ولذا قال لأصحابه يوماً وهو جالس بينهم:"ما أبطأوا في فتحها إلا لما أحدثوا"[٢٩] .
تناول عمرو بن العاص كتاب الخليفة، وأطال التفكير فيه، وظل يفكر حتى استلقى على ظهره، ثم جلس فقال: إني فكرت في هذا الأمر فإذا هو لا يصلح آخره إلا من أصلح أوله، ثم دعا بعبادة بن الصامت فعقد له اللواء وأمره على الناس.
ويبدو أن هذا التفكير من عمرو- رضي الله عنه - قد صادف موافقة المشورة من مسلمة بن مخلد فإن ابن الحكم يروي أن عمراً أستشار مسلمة بن مخلد، وقال له: أشر علي في قتال هؤلاء.