لقد سبب موت هرقل انقطاع المدد عن الإسكندرية، فوهن عزم المدافعين عنها، وانهارت معنوياتهم فلم يعد هناك مجال للمقاومة والعناد، ولا شك أن هذه الأخبار تسربت إلى المسلمين ولو عن طريق حراس الأبواب الذين كانوا يتصلون بالمسلمين، ويتبادلون معهم الأحاديث، فألح المسلمون في القتال، ويئس المدافعون من النصر فالقوا بأيديهم، واستسلموا لسيوف المسلمين ولم تكن إلا جولة واحدة حتى تم النصر للمسلمين.
كيف تم هذا النصر؟ بل كيف تمكن المسلمون من اقتحام الأسوار والحصون؟ هل استسلم الروم وفتحوا المدينة أمام ضغط الظروف والأوضاع السيئة التي أحاطت بهم أم فتح أحد الحراس بابه للمسلمين فدلفوا منه؟ لم يشر أحد من المؤرخين إلى شيء من ذلك وليس هناك من يستطيع أن يجزم بشيء منه.
ولكننا نستطيع أن نستنبط استنباطا أن حماة الإسكندرية لما يئسوا من مجيء المدد، وهددتهم المجاعة وهم في حصونهم، لم يكن هناك دوافع تجعلهم يستمرون في المقاومة أو حوافز تغريهم بالصمود فآثروا السلامة، ودبروا للهرب، يقول ابن عبد الحكم: فلما هزم الله – تعالى - الروم. وفتح الإسكندرية هرب الروم في البر والبحر [٣٢] .
ومما يؤيد هذا أن المؤرخين الذين اسهبوا في وصف الفتوحات الأخرى، وذكروا دقائق الأمور وجلائها وتحدثوا عن بطولات المسلمين وصمود أعدائهم، لم يتناولوا فتح الإسكندرية بشيء من التفصيل، ولم يتكلموا عن فتحها بأكثر من كلمات تكاد تكون واحدة جرت على ألسنتهم، ونقلها بعضهم عن بعض، وإذا دل ذلك على شيء فإنما يدل على أنه لم تدر معارك يمكن وصفها والإسهاب في نقل أحداثها، وإنما كانت جولة هرب بعدها الروم في البر والبحر، ولعل الروم خرجوا من حصونهم، وافتعلوا تلك المعركة ليجدوا سبيلاً للهرب، وإلا فكيف يهربون وهم محاصرون في داخل الحصون والأسوار؟