وبلغ عمرو ما حدث فرجع من فوره، فلما بلغ الإسكندرية وجد جيش الروم قد خرجوا منها يعيثون في القرى المجاورة لها فسادا، وهناك التقى الفريقان ورشق الروم المسلمين بالنشاب، وتترس المسلمون منهم، ثم التحمت الحرب بينهما، وشد عليهم المسلمون شدة رجل واحد، فاقتتلوا قتالا شديداً، فانهزم الروم وولوا الأدبار، فلم يكن لهم ناهية ولا عرجة دون الإسكندرية، فتحصنوا بها، ونصبوا العرادات، وقاتلهم عمرو على أبواب الإسكندرية، ونصب المجانيق، وضرب بها أسوارها حتى نال منها، ولا زال يقصفها حتى وهنت قوة الروم، وألح عليها حتى دخلها عنوة بالسيف فقتل المقاتلين، وسبى الذرية، وهرب بعض رومها إلى الروم، وقتل عدو الله منويل وهدم عمرو أسوارها، وكان قد نذر لئن فتحها ليفعلن ذلك [٤٤] .
وكتب عمرو إلى الخليفة، إن الله فتح علينا الإسكندرية عنوة بغير عقد ولا عهد، فرد عليه عمر يقبح رأيه، ويأمره ألا يجاوزها [٤٥] .
وألح المسلمون على عمرو ليقسمها بينهم، وأبى عمرو حتى يستشير الخليفة ورفض الخليفة التقسيم، وقال لعمرو: لا تقسمها، وذرهم يكون خراجهم فيئا للمسلمين، وقوة لهم على جهاد عدوهم [٤٦] .
وكانت هناك قرى ظاهرت الروم، وأعانوهم على المسلمين، وتلك القرى هي: سلطيس ومصيل وبلهيب، والخيس وقرطسا وسخا، فلما انتصر المسلمون استحلوا أهل هذه القرى، وقالوا، هؤلاء لنا فيء مع الإسكندرية [٤٧] .
وكتب عمرو إلى أمير المؤمنين يخبره بما أراد المسلمون بأهل القرى، وعلم أمير المؤمنين بأن للقوم عهدا سابقا، فأمر عمرا بأن يجعل هذه القرى ذمة للمسلمين كما فعل بالإسكندرية، ونهى أن يتخذ أهلها فيئا وعبيدا [٤٨] ، وأمر كذلك برد سباياهم وبتخيير أهلها بين الإسلام وبين دينهم، فمن أسلم فهو من المسلمين، له ما لهم، وعليه ما عليهم، ومن اختار دينه خلى بينه وبين قريته، وكتب الخليفة بذلك كتاباً إلى عمرو بن العاص قال فيه: