للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآية التي اشتملت على صيغة الاستفهام {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} تتضمن أمره تعالى آدم أن ينبئ الملائكة بالأسماء التي علمه الله إياها بعد أن عجزوا هم عن الإنباء بها، فلما أنبأهم بتلك الأسماء قال سبحانه وتعالى لهم: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُون}

والاستفهام في {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} يفيد التقرير على معنى الإخبار، أي قد قلت لكم، والقول الذي سبق أن قاله تعالى لهم هو: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُون} ويفيد أيضاً التنبيه، تنبيه الملائكة على ما كان قد غاب عنهم من علم خص الله به آدم حين قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك.

ومما ينبغي أن تلاحظيه أيتها الأخت أن المقول الأول {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُون} جاء على وجه من الإبهام والإجمال، ثم أعيد على وجه من الإيضاح والتفصيل والبسط: {إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُون} . ولا شك أن أسلوب الإيضاح بعد الإبهام، والتفصيل بعد الإجمال أوقع في النفس، وأثبت في الذهن، وأنصر وأنق في التعبير.

ولا يتسنى يا أخت أن تتذوقي جمال هذا الطباق بين الإبداء والكتم في قوله تعالى: {مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُون} .

و (لكم) في قوله تعالى {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} تنبه المخاطبين لما يلقى إليهم تنبيها قويا، وتهزهم إلى سماعه هزاً شديداً.

ومعنى قوله تعالى {مَا تُبْدُون} هو ما سبق أن أبداه الملائكة بقولهم {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} . والتعبير عنه بالمضارع مع أنه قد مضى لاستحضار المخاطبين صورته.